بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم أحبتنا ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج وموضوعه هو عن معنى معرفة الله حق معرفته، وهل يمكن الحصول على هذه المعرفة.
وقد عرفنا في حلقة سابقة من البرنامج أن بعض النصوص الشريفة أشارت إلى معنى لهذه العبارة يستحيل حصوله لأي مخلوق.
وهذا المعنى هو معرفة الله بكنه معرفته ومعرفة قدر عظمته بما هو عليه تبارك وتعالى من العظمة.
وهذا المعنى هو المشار إليه في قول النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): (يا من لايعلم ما هو إلا هو ما عرفناك حق معرفتك).
ولكن ثمة معنى آخر لحق معرفة الله، أشارت إليه النصوص الشريفة وحثّت المؤمنين للحصول عليه الأمر الذي يشير إلى إمكانية حصوله، فما هو هذا المعنى؟
مستمعينا الأفاضل، للإجابة عن السؤال المتقدم نقرأ لكم الحديث التالي الذي رواه الحافظ الخزاز القمي في كتاب (كفاية الأثر في الأئمة الإثني عشر) عن هشام بن سالم قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام) إذ دخل عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن أعين، فقال له معاوية بن وهب: يا ابن رسول الله، ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى به، على أي صورة رآه، وعن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة على أي صورة يرونه؟
فتبسم الإمام الصادق(عليه السلام) ثم قال: يا معاوية! ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه ثم لايعرف الله حق معرفته.
ثم قال(عليه السلام): يا معاوية! إن محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم) لم ير الرب تبارك وتعالى بمشاهدة العيان، وإن الرؤية على وجهين: رؤية القلب ورؤية البصر، فمن عنى برؤية القلب فهو مصيب، ومن عنى برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ومن شبّه الله بخلقه فقد كفر.
أيها الإخوة والأخوات، ثم استطرد الإمام الصادق(عليه السلام) في بيان معنى معرفة الله حق معرفته فيما يرتبط بالموضوع الذي سأل عنه السائل وهو موضوع إمكانية رؤيته عزّ وجل، فبين له أن الله أكبر من أن تدركه الأبصار.
قال(عليه السلام) في تتمة كلامه: ولقد حدثني أبي عن أبيه الحسين بن علي قال: سئل أمير المؤمنين فقيل له: يا أخا رسول الله هل رأيت ربك؟
فقال(عليه السلام): وكيف أعبد رباً لم أره، لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.
ثم قال الصادق(عليه السلام): وإذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر، فإن كل من جاز عليه البصر والرؤيا فهو مخلوق ولابد للمخلوق من الخالق، فقد جعتله محدثاً مخلوقاً [سبحانه وتعالى].
ثم قال(سلام الله عليه): ومن شبهه بخلقه فقد اتخذ مع الله شريكاً، ويلهم أولم يسمعوا قول الله تعالى: (لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وقوله؛ (لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ...).
وتابع مولانا الصادق بيانه لحق معرفة الله من خلال التصوير القرآني لحكاية موسى الكليم(عليه السلام) فقال: وإنما طلع من نوره عزّ وجل على الجبال كضوء يخرج من سم الخياط فدكت الأرض وصعقت الجبال (فخر موسى صعقاً) أي ميتاً، (فلما أفاق) وردّ عليه روحه، قال(سبحانك تبت إليك) من قول من زعم أنك ترى ورجعت الى معرفتي بك إن الأبصار لاتدركك (وأنا أول المؤمنين) وأول المقرين بأنك تَرى ولا تُرى وأنك بالمنظر الأعلى.
ثم ختم مولانا الإمام الصادق كلامه بقوله(عليه السلام): إن أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان معرفة الرب والإقرار له بالعبودية، وحد المعرفة أن يعرف أنه لا إله غيره ولا شبيه له ولا نظير له وأن يعرف أنه قديم مثبت موجود غير فقيد موصوف من غير شبيه ولا مثيل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
مستمعينا الكرام، الذي نستفيده من هذا الكلام النوراني هو أن معرفة الله حق معرفته بالمعنى الممكن والمطلوب شرعاً هي معرفته المعرفة التي تناسب عظمته جل جلاله وتنزهه عن تشبيهه بخلقه بأي صورة من صور التشبيه، وهذه هي المعرفة الصحيحة المطلوبة، فمن أين يحصل عليها المؤمن؟
الإجابة عن هذا السؤال نوكلها، أعزاءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، إلى الحلقة المقبلة من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) فإلى حينها نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم ورحمة الله.