بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم أحباءنا ورحمة الله
أهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نخصصها للاجابة عن السؤال التالي: (كيف يمكن للانسان أن يحصل على العلم الالهامي أو العلم اللدني؟) وقد عرفنا في حلقةٍ سابقة أن الايات الكريمة والاحاديث الشريفة تصرّح بأن من مصاديق رحمة الله بعباده وتأييده لهم هو التفضل عليهم بقذف معرفة بعض الحقائق كنورٍ في قلوبهم.
فما هي السبيل للفوز بهذا اللطف الالهي الخاص؟
نرجع الى مناري الهداية الالهية كتاب الله وأهل بيت النبوة –عليهم السلام- تابعونا مشكورين.
مستمعينا الافاضل، عندما نرجع الى القرآن الكريم نجده يصرح بأن تقوى الله هي سيدة السبل الفوز بالعلم الالهامي النوراني.
قال الله تبارك وتعالى في الآية ۲۹ من سورة الانفال «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ».
وقد روي كما في تفسير علي بن ابراهيم ان الفرقان هنا هو النور –أي العلم الالهامي– الذي يميز به المؤمن بين الحق والباطل فيتبع الاول ويجتنب الثاني. وقال الله جل جلاله في الاية ۲۸ من سورة الحديد «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ».
وقد فسّر النور في هذه الآية بالامام الحق في اشارة الى كون الامام المعصوم –عليه السلام- هو وسيلة ايصال العلم الالهي الالهامي للمؤمنين. فقد روي في كتاب الكافي مسنداً عن أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر الباقر -عليه السلام-: لقد أتى الله أهل الكتاب خيراً كثيراً فقال: وما ذاك؟
قلت: قول الله تعالى « الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ» (الى قوله) «أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا».
فأجابه الامام الباقر عليه السلام- قائلاً: (قد آتاكم الله كما آتاهم) ثم تلا عليه السلام- قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ».
ثم قال عليه السلام: (يعني اماماً تأتمون به). وفي حديث آخر مروي في كتاب الكافي أيضاً يصرح مولانا الامام الباقر –عليه السلام- بأن التمسك بولاية الامام المعصوم هو وسيلة فوز المؤمن بالعلم اللدني لأن الامام -عليه السلام- هو الموصل لهذا العلم.
مستمعينا الكرام جاء في هذا الحديث الشريف أن أبا خالد الكابلي قال: سألت ابا جعفر الباقر -عليه السلام- عن قول الله تعالى «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا».
فأجاب عليه السلام- : (يا أبا خالد، النور والله الائمة عليهم السلام، يا أبا خالد لنور الامام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله نورهم عمن يشاء، فتظلم قلوبهم..).
وقال المولى الشيخ محمد صالح المازندراني في شرحه لهذا الحديث من كتابه القيم (شرح اصول الكافي): قوله (لنور الامام في قلوب المؤمنين لعل المراد بنوره العلوم الحقيقية والاسرار الملكوتية والشرائع النبوية)
اذن يتضح مما تقدم –أيها الإخوة والأخوات– أن تقوى الله عزّ وجل مقرونة بالتمسك بولاية أهل البيت –عليهم السلام- تمثل أهم سبل الفوز بالعلم الالهامي أو اللدني من الله تبارك وتعالى.
ولذلك وردت عدة أحاديث شريفة تصرّح بأن محبة أهل البيت –عليهم السلام- هي من أهم وسائل الفوز بالعلم اللدني والحكمة الإلهية، وذلك لان هذه المحبة هي مظهر التمسك بولايتهم –عليهم السلام-.
وقد رويت كثير من هذه الأحاديث في كتاب أهل السنة أيضاً فمثلاً روي في كتاب فرائد السمطين للحافظ الحموي الشافعي ومقتل الحسين –عليه السلام- للحافظ الخوارزمي الحنفي عن ابن عمر عن رسول الله –صلى الله عليه واله وسلّم- قال: (من أراد الحكمة فليحب أهل بيتي).
وفي كتاب (بشارة المصطفى) وكتاب (مائة منقبة) وغيرهما مسنداً عن ابن عمر أيضاً أن رسول الله –صلى الله عليه وآله- قال: (ألا ومن أحب علياً أثبت الله في قلبه الحكمة وأجرى على لسان الصواب). وروي الشيخ الثقة البرقي في كتاب (المحاسن) بسنده عن امامنا جعفر الصادق –عليه السلام- قال: (من أحبنا أهل البيت وحقق حبنا في قلبه جري ينابيع الحكمة على لسانه).
كما أكدت الأحاديث الشريفة –مستمعينا الأفاضل – على دور التقوى وخشية الله عزّ وجل في استعداد المؤمن للفوز بنور الحكمة والعلم اللدني.
فقد روي في كتاب (عوالي اللآلئ) عن رسول الله –صلى الله عليه واله وسلم- قال: (لو خفتم الله حق خيفته لعلمتم العلم الذي لا جهل معه، ولو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال).
وقال -صلى الله عليه وآله وسلم- كما في أمالي الشيخ الطوسي: (خشية الله مفتاح كل حكمة).
وعن الوصي المرتضى –كما في كتاب (الغرر) قال: (من خشي الله كمل علمه).
وفي نهج البلاغة عنه عليه السلام قال: (ان من أحب عباد الله اليه عبداً أعانه الله على نفسه، فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف فظهر مصباح الهدى في قلبه).
مستمعينا الافاضل اذن يتضح من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أن تقوى الله وخشيته والتمسك بولاية محمد وآله الطاهرين هما أهم عوامل الفوز بالعلم اللدني النوراني، وثمة عوامل أخرى أكدتها النصوص الشريفة نتناولها بإذن الله في حلقة مقبلة من برنامجكم (اسئلتنا واجوبة الثقلين). شكرا لحسن متابعتكم لهذا البرنامج الذي يقدم لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. شكراً لكم وفي امان الله. الى اللقاء.