بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين إذ أنعمنا بنعمة الهداية والإيمان والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيب قلوبنا محمد وعلى آله الطاهرين المعصومين.. أحبتنا المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية لكم أينما كنتم وأهلاً بكم في هذه الحلقة من برنامجكم "نهج الحياة" حيث سنكمل فيها بإذن الله تفسير ما تبقى من سورة القلم المباركة..
بداية أيها الأكارم، نستمع معاً إلى تلاوة مرتلة من الآيات الثانية والأربعين حتى الخامسة والأربعين لسورة القلم..
يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ{42} خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ{43} فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ{44} وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ{45}
المقصود من (يوم يكشف عن ساق) مستمعينا الكرام، هو الوقت الذي يشعر حينها الإنسان بالخطر الحقيقي الذي لا مفر منه؛ وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (أُفحم القوم، ودخلتهم الهيبة، وشخصت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر شاخصة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) والمقصود من الدعوة إلى السجود في الدنيا إما نداء الأذان الذي يدعو الناس إلى الصلاة والسجود، وإما الآيات التي تأمر بالعبادة، وإما الأوامر التي يُعتبر العمل بها ضرباً من السجود والتواضع أمام الله تعالى، ولا ننس أن السجود هو قمة العبادة.
ومفردة (إستدراج) تعني الإقتراب تدريجياً وخطوة خطوة والمقصود منها أن الله تعالى يقرّب فريقاً من الناس إلى السقوط بالتدريج بحيث لا يشعرون. كما ذكرت آيات عدة من القرآن الكريم أن الله تعالى يُمهل المذنبين فلا ينبغي أن يظن هؤلاء أنه يحبهم أو أنه قد نسيهم؛ فقد روي عن الإمام الصادق (ع) قوله: (إذا أحدث العبد ذنباً، جدّد له نعمة، فيدع الإستغفار فهو الإستدراج).
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات البينات أولاً: يوم القيامة يوم ظهور المصاعب.
ثانياً: من لا يختار الخشوع أمام الله، سيُجبر يوم القيامة على الخشوع والذل.
ثالثاً: أعظم الأخطار هو ما يغفل عنه الإنسان ولا يفكر في دفعه.
رابعاً: المهلة الإلهية هي تدبير من الله ليهلك الكفار.
وخامساً: قد تفشل المخططات البشرية؛ ولكن تدبير الله محكم لا محل للفشل فيه.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات السادسة والأربعين حتى الخمسين من سورة القلم المباركة..
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ{46} أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ{47} فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ{48} لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ{49} فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ{50}
أيها الأحبة، جاءت عبارة (مغرم) من (غرامة) بمعنى الضرر الذي يقع على الإنسان من دون أن يكون قد ارتكب خيانة أو جرماً. و(مكظوم) تطلق على الشخص الممتلئ حزناً وألماً.
وبالنسبة إلى نبي الله يونس (ع) يعتبر قذفه إلى العراء وعلاجه من مرضه، لطفاً؛ وأما العذاب يكون في حال كان قذفه مصاحباً للتوبيح والذم الأبدي.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الشريفة أولاً: لم يطلب الأنبياء ثواباً من الناس.
ثانياً: من الطبيعي أن ينفر الناس من عالم الدين الذي له أهداف مادية.
ثالثاً: الصبر والمقاومة مطلوبان إذا كانا في طاعة أمر الله، لا لأجل الإلحاح والعناد عديم النفع.
رابعاً: الدعاء والمناجاة ممهدان للتدارك الإلهي.
وخامساً: بدلاً من أن نطرد الناس لزلة واحدة ارتكبوها، فلندركهم ونرفع ضعفهم وبعد ذلك نسائلهم.
مستمعينا الكرام، أما الآن ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيتين الواحدة والخمسين والثانية والخمسين وهي آخر آيات سورة القلم المباركة...
وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ{51} وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{52}
أيها الكرام، أشار الله عزوجل في بداية السورة إلى اتهام النبي (ص) بالجنون، وفي هذه الآيات التي هي آخر السورة صُرِّح بتلك الإشارة (ويقولون إنه لمجنون).
وكلمة (ليزلقونك) من مادة (زلق) بمعنى الإنزلاق والوقوع على الأرض وهي كناية عن الهلاك والموت.
وتشير الآية إلى أن الحقد والكره يدفع بالإنسان إلى تصرفات متضادة، فالكفار من ناحية يعتبرون أن القرآن عظيم ويحسدون النبي عليه ويريدون أن يزلقوه بأبصارهم، ومن ناحية أخرى يتهمونه بالجنون وبقول الأساطير.
ومن تعاليم هاتين الآيتين المباركتين أولاً: حقد العدو أمر جدي ويجب أن نحذر منه.
ثانياً: مقصد العدو الرئيس من هجومه هو قائد المجتمع الإسلامي.
وثالثاً: القرآن ليس محدوداً بزمان ومكان، بل إنه كتاب للعالمين وخالد لكل الأمم.
إخوة الإيمان، مع إنتهاء تفسير سورة القلم المباركة، وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" آملين أن قد نالت إعجابكم، فحتى لقاء آخر وتفسير سورة أخرى من سور القرآن الكريم، نستودعكم الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.