بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين المعصومين.. مستمعينا، مستمعاتنا في كل مكان السلام عليكم ورحمة من الله تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم أينما كنتم وأهلاً ومرحباً بكم إلى حلقة أخرى من البرنامج القرآني "نهج الحياة" حيث سنستأنف فيها بإذنه تعالى بيان آيات سورة الملك..
أيها الأحبة بداية ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات التاسعة حتى الحادية عشرة من سورة الملك المباركة..
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ{9} وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ{10} فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ{11}
أيها الكرام، أشارت هذه الآيات إلى ثلاثة إعترافات للكافرين يوم القيامة؛ الأول الإعتراف بمجيء الأنبياء وبتكذيبهم إياهم. الثاني؛ الإعتراف بعدم التعقل وعدم الإستماع إلى كلام الحق والثالث؛ الإعتراف بارتكاب الذنب.
وورد في الآية السادسة والعشرين من سورة فصلت أن المخالفين كانوا يقولون (لا تسمعوا لهذا القرآن) ولكنهم في ذلك اليوم سيقولون (لو كنا نسمع).
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركة أولاً: هدف الله تعالى هو تكامل الإنسان المعنوي؛ ولذلك كان لابد من بعث الرسل، وإلا فإن هدفه هذا لن يتحقق عملياً.
ثانياً: يعلل المخالف أعماله، فكان الكافرون يقولون لتعليل تكذيبهم (فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء)
ثالثاً: يوصل العناد الروحي الضالين إلى مرحلة يتهمون فيها الأنبياء الإلهيين بالضلال، وليس أي ضلال بل هو الضلال الكبير.
رابعاً: من الممكن أن يؤدي الإعتراف بالذنب في الدنيا إلى العفو والصفح؛ وأما في الآخرة فلا جدوى له.
وخامساً: يلقى الكفار يوم القيامة عذاباً جسدياً وعذاباً نفسياً وهو البعد عن رحمة الله تعالى.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، نصغي معاً خاشعين إلى تلاوة الآيات الثانية عشرة حتى الرابعة عشرة من سورة الملك المباركة..
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ{12} وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{13} أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{14}
أيها الأحبة، ورد في تفسير الثقلين، عن الإمام الرضا (ع) أن اللطيف هو النافذ في الأشياء الممتنع من أن يدرك.
ومن تعاليم هذه الآيات الشريفة يمكن الإشارة أولاً: يجب أن يكون تشجيع الصالحين وتوبيخ المخطئين جنباً إلى جنب في التربية وذلك حتى يكون ثمة مجال للمقارنة.
ثانياً: التطهر من الذنوب هو أرضية ممهدة لإستقبال الألطاف الإلهية.
ثالثاً: التقوى والخشية الحقيقية هي أن يتقي الإنسان الله من داخله، وإلا فإن التقوى الظاهرية هي تظاهر ليس أكثر.
رابعاً: الخفاء ليس له أثر في علم الله العميق، إنه يعلم كل الأسرار والنوايا.
وخامساً: الإيمان بعلم الله هو أفضل العوامل المانعة للنفاق والعمل بالخفاء.
في هذه اللحظات، أيها الإخوة والأخوات، ننصت وإياكم الى تلاوة الآية الخامسة عشرة من سورة الملك المباركة..
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ{15}
كلمة (منكب) بمعنى الكتف، والكتف، أعزاءنا الكرام، هو أنسب عضو لوضع الحِمل عليه مناكب الأرض تعني الأماكن في الأرض التي وضع حمل رزقنا عليها.
كما تشير الآية إلى أن الأرض مذللة للإنسان ومع أنها تتحرك بأشكال مختلفة إلا أنها هادئة. لو كانت الأرض دائماً معرضة للزلازل والبراكين، أو كانت الأرض أقرب للشمس أو أبعد، أو أي من الحسابات الأخرى الحاكمة على الأرض الآن لم تكن على ما هي عليه الآن ولم تكن مذللة للإنسان.
ومن تعاليم هذه الآية المباركة يمكن القول أولاً: ذلل الله تعالى الأرض للإنسان لكي يتمكن من السعي والعمل فيها.
ثانياً: الرزق من الله؛ ولكن يجب السعي والكدّ للحصول عليه.
ثالثاً: الوجود في حالة حركة وهو يسير نحو التكامل: الطبيعة للإنسان (جعل لكم الأرض ذلولاً) والإنسان للسعي (فامشوا في مناكبها) والسعي للرزق (وكلوا من رزقه) والدنيا للآخرة (وإليه النشور).
ورابعاً: لا ينبغي أن تكون ملذات الدنيا سبباً في الغفلة عن يوم القيامة.
إخوة الإيمان، بهذا قد وصلنا الى نهاية حلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران فشكراً لحسن إستماعكم وطيب متابعتكم والى اللقاء.