بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين إذ هدانا للإيمان والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين.. حضرات المستمعين سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. أطيب التحايا لحضراتكم وأنتم تتابعون عبر إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران برنامجكم القرآني "نهج الحياة" إذ سنشرع في حلقتنا هذه تفسير سورة الملك المباركة حيث جاء في فضل قراءتها أنها توجب النجاة من عذاب القبر.
إخوتنا الأعزة، ندعوكم الآن الى الإستماع الى الآيتين الأولى والثانية من سورة الملك المباركة..
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ{2}
كلمة (تبارك) أيها الكرام، من مصدر (البركة) بمعنى الخير الدائم الباقي وأيضاً بمعنى المقام العالي، كما يقال للمكان الذي يجتمع فيه الماء (بِركة).
وفي ذيل الآية الثانية جاء في رواية عن الإمام الصادق (ع): ( أحسن عملاً، ليس يعني أكثر عملاً ولكن أصوبكم عملاً؛ وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة الحسنة).
ومن تعاليم هاتين الآيتين المباركتين يمكن القول أولاً: مصدر كل البركات هو الله تعالى وقدرته.
ثانياً: كل الحكومات والقوى العظمى مصيرها إلى الزوال، حكومة الله فقط هي الحكومة الأبدية.
ثالثاً: الموت لا يعني التلاشي والفناء؛ بل هو أمر وجودي مخلوق وهو الإنتقال من هذه الدنيا إلى عالم آخر.
ورابعاً: عزة الله وقدرته مقرونة بالرأفة والرحمة.
أما الآن، أيها الأكارم، نصغي معاً خاشعين إلى تلاوة الآيات الثالثة حتى الخامسة من سورة الملك المباركة..
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ{3} ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ{4} وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ{5}
مفردة (طباق) إما مصدر (طابق) أو جمع (طبق)، ففي الحالة الأولى، أيها الكرام، تكون بمعنى أن السموات متناسبة ومتطابقة بعضها مع الآخر، وفي الحالة الثانية تكون بمعنى أن السموات سبع طبقات بعضها فوق بعض.
و(تفاوت) من (فوت) بمعنى ظهور الإختلاف وعدم التجانس، و(فطور) بمعنى الشرخ الطولي. و(خاسئاً) بمعنى خاسراً ومتعباً و(حسير) بمعنى ضعيف عاجز.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركات أولاً: النظام الموجود هو النظام الأحسن، ولا يوجد في نظام الخلق أي شائبة أو نقص.
ثانياً: يزداد إيمان الإنسان بعظمة الوجود وقدرة الخالق عندما تكون معرفته عن الله تعالى مبنية على أساس النظر والتدقيق.
ثالثاً: فعل الله تعالى محكم وحكيم وهو لا يخشى من تدقيق الآخرين في عمله، بل يدعوهم إلى ذلك.
ورابعاً: لا ينبغي أن يكون تعاملنا مع العدو إنفعالياً، بل يجب أن يكون هجومياً أحياناً.
في هذه اللحظات، مستمعينا الأفاضل، ننصت وإياكم خاشعين إلى تلاوة الآيات السادسة حتى الثامنة من سورة الملك المباركة..
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{6} إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ{7} تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ{8}
أيها الإخوة الأفاضل، جاءت مفردة (ألقوا) من (الإلقاء) بمعنى السقوط من دون إختيار. وكلمة (شهيقاً) تقال لأبشع الأصوات وأنكرها كما تقال لصوت الحمير المزعج. وأما كلمة (تفور) فهي من الفوران، وهو إشارة إلى لهب نار جهنم العظيم الذي يفور ويتصاعد.
يصدر صوت الشهيق المنكر من جهنم نفسها (لها شهيقاً) وأهل النار كذلك لهم شهيق، كما جاء في الآية السادسة بعد المئة من سورة هود (لهم فيها زفير وشهيق).
ومما نتعلمه من هذه الآيات الكريمات أولاً: قد يصل الغضب والغيظ أحياناً إلى حد الإنفجار.
ثانياً: عذاب جهنم فيه تحقير، وهو مزعج للسمع ومصاحب لأسئلة توبيخية.
وثالثاً: يأتي العذاب الإلهي بعد إتمام الحجة.
إلى هنا، إخوة الإيمان، وصلنا إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم "نهج الحياة" آملين أن قد نالت إعجابكم، فحتى اللقاء القادم نستودعكم الله ونسألكم الدعاء.