ففي وقتٍ يندفع نتنياهو نحو إقرار هذا المشروع الذي يهدف من خلاله إلى الحفاظ على مصالحه، غير مكترثٍ بالتظاهرات الحاشدة ضده وضد حكومته، وبالعصيان الذي استفحل في المؤسسات العسكرية رفضاً للمشروع القضائي، برزت مخاوف من تعرض "إسرائيل" لإخفاقات دولية وإقليمية بسبب الأزمة الداخلية على صعيد رسم السياسة الخارجية.
وعبّرت الكثير من الدوائر الإسرائيلية من تسبُب سياسات حكومة الاحتلال الجديدة، لا سيما تحركات بعض أعضائها، مثل بن غفير، في التأثير سلباً على السياسة الإسرائيلية الخارجية، ضمن 3 مسارات: هي مواجهة إيران في المنطقة، وتقويض التقدم في اتفاقيات التطبيع، وأيضاً تضرر العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية وتعرضها لضغوط ومع الغرب عموماً.
فشل حكومة نتنياهو في مواجهة إيران في المنطقة
آخر ما استجدّ في سياق تأكّل "إسرائيل" داخلياً وخارجياً، وفشل حكومة نتنياهو بتحقيق إحدى أبرز أهدافها - منع إيران من توسيع تأثيرها ووجودها في المنطقة - هو إعلان طهران والرياض استئناف العلاقات المتبادلة وإعادة فتح السفارات بينهما. وقد أثارت هذه الخطوة غضباً وسخطاً إسرائيليين، وعبّر مسؤولون إسرائيليون عن مفاجئتهم بالاتفاق السعودي الإيراني، لكونها تشكل ضرراً إقليمياً كبيراً جداً بالنسبة إلى "إسرائيل".
وتوالت التصريحات الإسرائيلية المحذّرة من هذا الاتفاق، كان أبرزها ما صرّح به رئيس حكومة الاحتلال السابق نفتالي بينيت، الذي وصف "استئناف العلاقات بين السعودية وايران بأنّه تطور خطير"، موضحاً أنّه "خطير على إسرائيل، ويشكّل انتصاراً سياسياً لإيران".
وأضاف بينيت أنّ "الأمر يتعلّق بضربةٍ قاضيةٍ لمساعي بناء ائتلاف إقليمي مقابل إيران"، مؤكّداً أنّ ذلك يمثّل فشلاً مدوياً لحكومة نتنياهو، وهو وناتج عن مزيج من الإهمال السياسي مع الضعف العام والصراع الداخلي".
وأشار إلى أنّ "دول العالم والمنطقة تراقب إسرائيل المتصارعة مع حكومة لا تعمل، ومنشغلة في تدمير الذات بشكل منهجي، وبعد ذلك تختار تلك الدول جانباً".
بدوره، قال وزير الأمن السابق بني غانتس إنّ "استئناف العلاقات بين ايران والسعودية هو تطور مقلق، فالتحديات الأمنية الضخمة المماثلة مقابل إسرائيل تتزايد، فيما رئيس الحكومة والكابينت منشغلون بالانقلاب السلطوي". وفي السياق ذاته، شدّد رئيس لجنة الخارجية والأمن في "الكنيست"، يولي أدلشتاين، على أنّ "العالم لا يتوقف، ونحن مشغلون بالصراعات على السلطة والخلافات"، مضيفاً أنّ "إيران والسعودية اتفقتا على استئناف العلاقات بينهما، وهذا سيئ جداً لإسرائيل".
كذلك، وصفت رئيسة "حزب العمل"، عضو "كنيست" الاحتلال ميراف ميخائيلي، الاتفاق بأنّه "فشل وإخفاق خطير لنتنياهو"، مشيرةً إلى أنّ "هذه الحكومة الخطيرة لن تستمر أيام، لكنّ الأمر سيستغرق سنوات لإصلاح الضرر الهائل الذي سببته لأمن إسرائيل".
تقويض مسار اتفاقيات التطبيع
وفي وقتٍ كثرت فيه الإدانات الإسرائيلية لإخفاق حكومة نتنياهو في السياسة الخارجية من جهة، برز أيضاً الحديث عن تقويض الاتفاق السعودي الإيراني لمساعي "إسرائيل" في المضي قدماً في اتفاقيات التطبيع من جهةٍ أخرى.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلة تحدّثت عن هذا الأمر، قائلةً إنّ "الاتفاق بين السعودية وايران إذا طٌبّق بالفعل، فإنّ الأمر يتعلق أيضاً بإلحاق ضرر شديد بمساعي نتنياهو من أجل توسيع اتفاقيات التطبيع".
وأضافت أنّه "يمكن النظر إلى القرار السعودي، من الناحية الفعلية، على أنّه بصقٌ في وجه إسرائيل، إذ يبدو أنّ دولًا مثل السعودية تفضل الحفاظ على علاقاتها حتى مع الأعداء، لأنّها تفضل توزيع الرهانات حتى لا تتأذى كثيراً".
وفي السياق، شدّد الكاتب ومعلق الشؤون السياسية في موقع "والاه" الإسرائيلي، باراك رابيد، على أنّ هذا الاتفاق يمثّل ضربةً قاسية لإسرائيل ولاتفاقيات التطبيع"، مضيفاً أنّ ذلك حدث في وقتٍ كان نتنياهو منشغلا خلال الأسابيع العشرة الأخيرة بالثرثرة وليس بالأمور الذي حددها بنفسه كأهداف، ايران والسعودية".
أمّا عضو لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، الوزير السابق ساعر، فقال إنّ "نتنياهو وعد السلام مع السعودية، لكن في النهاية فعلوا مع إيران".
غير أنّ الحديث عن تراجع اتفاقيات التطبيع والتحديات التي تواجهها هو ليس بالأمر الجديد، فقد برز مع تصاعد الأزمة السياسية في الداخل الإسرائيلي وعلى الساحة الفلسطينية على السواء، إذ أوضح السفير الأميركي السابق في "إسرائيل" دانيال شابيرو، أنّ أبرز التحديات تتمثل في الدعم المنخفض نسبياً للتطبيع وتراجع شعبيتها حتى في الإمارات والبحرين.
وأرجع شابيرو السبب في ذلك إلى "تصاعد التوترات الإسرائيلية الفلسطينية"، ودعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين إلى اتخاذ خطوات قد ترقى إلى الضم الفعلي للضفة الغربية أو تحدي الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في القدس، ما أثر في شعبية اتفاقيات التطبيع.
وحذّر شابيرو من تداول الرواية التي تقول إنّ السعودية مستعدة "لتطبيع العلاقات مع إسرائيل غداً"، مضيفاً أنّ على الولايات المتحدة دفع الأمر قدماً لتحدث الصفقة من خلال تقديم الأسلحة الكافية والضمانات الأمنية.
علاقة "إسرائيل" بالغرب
التحذيرات الأميركية هذه من رواية أنّ السعودية ليست مستعدّة للتطبيع غداً لم تأتِ من فراغ، إذ إنّ صحيفة "نيويورك تايمز" ذكرت أنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يسعى لبرنامجٍ نوويٍ مدني وضمانات أمنية من الرئيس الأميركي جو بايدن كثمنٍ لتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح الإعلام الإسرائيلي، في هذا الخصوص، أنّ "السعوديين يشعرون بوجود ضعف أميركي وإسرائيلي لذلك توجهوا الى أفاق أخرى".
هذا التراجع أو الارتباك في العلاقات الإسرائيلية الأميركية، كان قد ظهر مؤخراً مع سعي حكومة نتنياهو لإقرار مشروع التعديلات القضائية. صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تناولت أيضاً هذه القضية، مؤكّدةً أنّ سياسات حكومة نتنياهو "تخاطر بتمزيق العلاقات مع أقوى مؤيديها".
من جانبها، ذكرت صحيفة "فورين أفيرز"، أنّ مواقف نتنياهو، على الصعيدين الدولي والداخلي، تواجه رفض بايدن، ورأت أن عليه التنازل من أجل الحصول على شراكة بايدن الكاملة، لتعزيز أولوياته الدولية القصوى المتعلقة بإيران والسعودية.
وقالت الصحيفة إنّه "على الرغم من أن بايدن صديق حقيقي لإسرائيل، إلا أنّه يستحضر علاقات نتنياهو المشحونة مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما".
وتعليقاً على ذلك، أوضح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أنّ "أحد الأسباب الرئيسة للوفود الأميركية إلى إسرائيل، هو معالجة الشرخ الداخلي بسبب التعديلات القضائية، الذي يمكن أن يوصل إلى صِدام دموي"، وهذا ما له تأثير مباشر على المصالح الأميركية في المنطقة التي تمثلها "إسرائيل".
تداعيات تعديلات حكومة نتنياهو القضائية وسياستها في الداخل والخارج، لا تقتصر على علاقاتها مع الولايات المتحدة من دول الغرب فحسب، بل لها تأثيراً سلبياً أيضاً في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، إذ تُشير التحليلات إلى أنّ ذلك سيؤدّي إلى توتر العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن المعارضة التي ستكون لدى دول أوروبية ضد التغييرات القضائية، التي سوف تُقلل من التزام هذه الدول بدعم "إسرائيل" في المؤسسات الدولية.
وكان لافتاً في هذا السياق، توقيع 27 دولة أوروبية مؤخراً على بيان يُدين العقوبات التي فرضتها "إسرائيل" على السلطة الفلسطينية، ومنها دول عارضت أو امتنعت قبل ذلك على قرار الأمم المتحدة الذي طالب محكمة العدل الدولية بتقديم موقف قانوني حول الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، وأهمها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
في المحصّلة، تتجه "إسرائيل"، بسبب التعديلات القضائية، نحو واقع داخلي أكثر تفككاً، قد يصل إلى "حرب أهلية" دموية، بالتوازي مع علاقات خارجية مرتبكة وغير مستقرة، وخصوصاً تلك المرتبطة بمصالح الولايات المتحدة، وبالتزامن أيضاً مع حقيقة "جيش" منقسم ومتشرذم، الأمر الذي سيُفاقم أزمة "إسرائيل" وتأكّلها، ويقلّل من تأثيرها إقليمياً ودولياً.
الميادين ... بتول رحّال