البث المباشر

تفسير موجز للآيات 75 الى 96 من سورة الواقعة

السبت 24 أغسطس 2024 - 11:48 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 996

 

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. حضرات المستمعين الأفاضل سلام عليكم ورحمة من الله تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم أينما كنتم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى ضمن برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنكمل فيها بإذن الله تفسير ما تبقى من آيات سورة الواقعة المباركة نستهلها بالإستماع الى تلاوة الآيات الخامسة والسبعين حتى الثمانين منها ...

فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ{75} وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ{76} إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ{77} فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ{78} لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ{79} تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ{80}

أيها الأحبة، تشير الآية الخامسة والسبعين الى أنه لا يمكن لأي شخص أو أي شيء أن يؤثر في الوجود من دون الله ومشيئته، وعليه فإن الإعتقاد بتأثير النجوم والكواكب في مصائر الناس وتحكمها بمستقبلهم ما هو إلا خرافة، والنجوم لا تدل على سوء الطالع ولا على حسنه.

و"مواقع النجوم" هي مواضع استقرارها، والقسم بمواقع النجوم أهم من القسم بها نفسها؛ وذلك لأن محالها أكبر منها بأضعاف.

ويبدو أن المراد من "الكتاب المكنون" في الآية الثامنة والسبعين هو اللوح المحفوظ، وذلك لأن الله عزوجل يقول في سورة البروج (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) وهنا يقول عزوجل (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون).

ومما تفيدنا هذه الآيات المباركة أولاً: ينقل الله الإنسان بفكره وعقله، من أصغر الأشياء كالنطفة والبذرة إلى النجوم ومواقعها في السماء.

ثانياً: لكل نجم موقع ومسار خاص به، يسير فيه وفق نظام متقن لا يحيد عنه.

ثالثاً: يبلغ القرآن منتهى الكرم والكرامة؛ حيث إنه يضع قواعده ومضامينه الراقية في معرض استفادة كل من يمكنه الإستفادة، وكل منهم على طريقته، وبحسب ما أوتي من قدرة.

رابعاً: ليس القرآن مجرد كلمات وألفاظ، بل له مقام أعلى وأسمى محفوظ عند الله تعالى.

خامساً: حقائق القرآن سامية وأرقى من أن يصل إليها أهل العناد والملوثون بالشرك والنفاق.

وسادساً: القرآن أحد تجليات ربوبية الله تعالى، ويتضمن برنامجاً تربوياً يتناسب مع تسامي الإنسان وتربيته.

أما الآن، مستمعينا الأفاضل، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات الحادية والثمانين حتى السابعة والثمانين من سورة الواقعة المباركة..

أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ{81} وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ{82} فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ{83} وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ{84} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ{85} فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ{86} تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{87}

جاءت كلمة "مدهنون" أيها الكرام، من الدهن وهو الزيت وشبهه، وكلمة مداهنة تستعمل في كل من الضعف والمداراة.

وتشير الآيات الى أن على المؤمنين بالمعاد عدم الإكتفاء بوضوح هذه العقيدة في أذهانهم، فهذا هو القرآن يتضمن الكثير من الأدلة المتتابعة في سورة واحدة لإثبات هذا الأصل الإعتقادي، على الرغم من أنه يقرن ذلك بتذكيرهم بعجزهم، كما في هذه الآيات التي تستعرض حالة الإحتضار والعجز عن التمسك بالمحتضر وعدم تركه لقمة سائغة للموت.

ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الشريفة أولاً: كلما كان الموضوع أكثر قداسة، كان الإنكار أشد خطراً، وكان استحقاق التأنيب أوضح.

ثانياً: لا مجال للمداهنة والمساومة على أصول الدين ومبادئه الأساسية.

ثالثاً: يرفع الله الشك في المعاد، من خلال التذكير بقدرته في حالتي الحياة والموت، وبذلك يتم الحجة على الناس.

ورابعاً: الله سبحانه أقرب إلينا من أقرب الناس إلينا، فقرب الناس قرب مادي، أما قرب الله فهو قرب إحاطة واستيلاءْ.

أما الآن، إخوة الإيمان، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات الثامنة والثمانين حتى السادسة والتسعين من سورة الواقعة وهي آخر آياتها المباركة..

فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ{88} فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ{89} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ{90} فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ{91} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ{92} فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ{93} وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ{94} إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ{95} فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ{96}

"الرَوح" بمعنى الراحة والرفاه والرحمة؛ و"الريحان" هو كل نبت طيب الرائحة، وتستعمل في الرزق أيضاً. أما "تصلية" أيها الكرام، فهي من "الصلي" وهو الذوق، والشواء والسقوط.

ويشير الله عزوجل في أول السورة الى تقسيم الناس إلى فئات ثلاث، المقربون الى الله وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال. وفي آخر السورة يكرر الله عزوجل الحديث عن مصير كل فئة من هذه الفئات.

وحول الآيتين الثالثة والتسعين والرابعة والتسعين جاء عن الإمام الصادق عليه السلام "فنزل من حميم في قبره (أي المجرم) وتصلية جحيم في الآخرة"

ومما نستقيه من هذه الآيات الكريمات أولاً: ينتقل المقربون بمجرد مفارقة أرواحهم للأجساد إلى الراحة والريحان.

ثانياً: يجب أن نتعامل مع لحظات الإحتضار والموت، ومع كيفية خروج الروح، ومع مفاهيم أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، بشكل جاد.

ثالثاً: صعوبة نزع الروح على الكافرين، وملاقاتهم بالحميم والجحيم، جزاء عادل مستحق.

ورابعاً: يوم القيامة ونظام العقاب والثواب، من دلائل ربوبية الله عزوجل، ويقع في سياق تربية الله للإنسان، ومن الأمور التي تستحق من الإنسان الشكر والتسبيح.

إخوتنا الأفاضل، مع ختام تفسير سورة الواقعة المباركة نصل الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، نشكركم على حسن استماعكم وطيب متابعتكم وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة