الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن اقطاب الصادقين ورجالاتهم العالم الشهير والخطيب النحرير والكاتب القدير المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين الكاظمي طاب ثراه. السيد عبد الحسين شرف الدين هو من مواليد الكاظمية في العراق ولادته عام 1290 هـ وقد شب وكبر في رياض العلم والاخلاق والمعرفة وانتقل الى سامراء والنجف الاشرف لاغتراف العلم من الاساطين الكبار كالمرحوم السيد كاظم اليزدي الطباطبائي اعلى الله مقامه والمرحوم الملا كاظم الآخوند الخراساني والفيلسوف الشيخ محمد حسين الاصفهاني والعالم النحرير الشيخ محمد طه نجف حتى اصبح السيد عبد الحسين شرف الدين ذا ملكة عالية من مختلف العلوم واستفاد خبرة واسعة عن المشاكل الاجتماعية والسياسية التي كانت تعصف بالمنطقة فأوجدت هذه الحركة وهذه الازمات عنده استعداداً لخوض ادوار خطيرة في بناء المجتمع الاسلامي.
انتقل في الثلاثين من عمره مجتهداً متفتحاً الى جبل عامل بلبنان وكان يوم وصوله يوماً مشهوداً بل عبر عنه اهل البلاد بأنه عيد من اعيادهم وبدأ من هناك مسيرة الاصلاح والعمل كعالم عامل ومربي مقتدر مما سبب انزعاج لطواغيت المنطقة وبدأت اجواء الشر بينه وبينهم حتى كادوا له واجمعوا وجمعوا له الا ان سعيهم كان هباءاً، وكان لبلاغته وتسلطه في الخطابة اثر بالغ في المشاعر والنفوس كما ان لطبعه الاجتماعي المتسم بالروح الشعبية البسيطة تأثيراً كبيراً في انشداد الناس اليه بكل طبقاتهم وطوائفهم حتى صار بيته موضع زحام الناس وتجمهرهم.
اما جهاده ومقاومته للغزاة وللاحتلال الفرنسي كان امراً صعباً للمحتل حتى ضاق بهم الخناق فعملوا على اغتياله عدة مرات والعناية الالهية تتدخل في نجاته وقد احرقت داره ذات مرة وقضت النيران على كل شئ في داره بما فيها مكتبته في منطقة شحور واضطر الى تغيير منطقة سكنه الى صور حيث واجه هناك اعتداءات خطيرة كالاغارة على داره ونهبها وكان اغلى شئ فيها مكتبته التي نهبت وكان تتضمن نفائس ومخطوطات ومدونات وانتقل بعدها الى دمشق، سافر المرحوم شرف الدين اعلى الله مقامه سفرات حساسة ومهمة الى فلسطين والى مصر والحجاز وله هناك مؤسسات عامرة حتى اليوم ربما غيرت عناوينها وربما ايضاً تحمل اسمه، مؤسسات ثقافية وعلمية وخدماتية ولقي حفاوة بالغة في هذه السفرات المهمة مثلاً الى الحجاز عام 1328 هـ تشرف بالحج وزار المدينة المنورة وتشرف بزيارة اعتاب النبي(ص) وضرائح الائمة المعصومين وآنذاك كان البناء قائماً على البقيع وعلى قبور ائمة البقيع وحج المرحوم شرف الدين مرة اخرى بعد ذلك التاريخ بأكثر من عشر سنوات متوجهاً الى جدة من بيروت عن طريق البحر وجمع السيد في تلك الستة خلق كثير من جبل عامل ومن لبنان وقد دعي بأن يأم المصلين في البيت الحرام وهذه السنة سنة مشهودة اذ يجري هذا لاول مرة في التاريخ اذ يأم المصلين عالم من علماء الشيعة الامامية وائتم به المسؤولون وفي مقدمتهم الملك الحسين بن علي كما اشترك السيد شرف الدين والملك الحسين بن علي آنذاك اشتركا معاً في غسل الكعبة المشرفة وكان يوماً تاريخياً، هذا وقد ترك آثاراً كبيرة ومهمة وخالدة بلغت السبعة وعشرين مؤلفاً وقد فقد العديد منها في حرق مكتبته او الاغارة على منزلة ومن اهم كتبه المنشورة والمقيدة جداً هو النص والاجتهاد وكتابه عن ابي هريرة وكتابه الفصول المهمة كما لاقى كتابه المراجعات شهرة عالمية وقد طبع اكثر من خمسين طبعة وهو مجموعة لمراسلات علمية وعقائدية وكلامية نافعة تمت بينه وبين المرحوم الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الازهر آنذاك والذي اجتمع به السيد حينما زار مصر وكانت بارقة هذه المراسلات وبلغت الرسائل المتبادلة مئة واثنى عشر رسالة حتى كتب اليه شيخ الازهر لآخر رسالة له في رسالة مطولة قال في آخرها « كنت قبل ان اتصل بسببك على ليس فيكم كما كنت لما اسمعه من ارجاف المرجفين واجحاف المجحفين فلما يسر الله اجتماعنا آويت منك الى علم هدىً ومصباح دجىً وانصرفت عنك مفلحاً منجحاً فما اعظم نعمة الله عليّ وما احسن عائدتك عليّ والحمد لله رب العالمين هذا كلام شيخ الازهر. وقد احدث هذا الكتاب وهو كتاب المراجعات صدى واشعاً في العالم الاسلامي حتى اني اتذكر ان احد القضاة الكبار ومعه احد الولاة لمحافظة سمائل في سلطة عمان طلبا مني ملحيين لما كنت ضيفاً على الغداء مجيباً لدعوة القاضي، طلبا مني ان ابعث لهما كتابين مهمين وهما المراجعات للسيد شرف الدين وعقائد الامامية للمرحوم الشيخ محمد رضا المظفر رحمهما الله وقد احضرتهما لهما ابان خطابتي في عمان والتي امتدت خمسة عشر عاماً وابديا اعجابهما بالكتابين وفرحا بهما.
توفي المرحوم شرف الدين اعلى الله مقامه في الثامن من جمادي الثانية عام 1377 هـ الموافق 30/1/1959 م ونقل جثمانه الى النجف الاشرف حسب وصيته وشيعته مئات الالاف من الجماهير من الكوفة الى النجف مشياً على الاقدام وكنت انا ضمن المشيعين وضمن من مشى خلف جنازته من مدينة الكوفة وحتى النجف الاشرف ودفن حسب وصيته في الصحن الحيدري المبارك وادى الصلاة عليه آنذاك المرجع الراحل السيد محسن الحكيم اعلى الله مقامه رحمهما الله جميعاً وأسأل الله له الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******