ومن حق المرء ان يتساءل عن السر والرمز الأكثر تأثيراً في إنتصار هذه الثورة التي لم تكن عاملاً مؤثراً في إنقاذ نظام ملكي جثم على صدر إيران وألحق ما ألحق بتراثها وتاريخها وحياتها الطبيعية.
فبعد أن عاد الإمام الخميني الراحل (رض) من منفاه الى البلاد مطلع شباط عام 1979، قال في اول كلمة له أمام الشعب الإيراني انه سيشكل حكومة بدعم الشعب الحاضر في الساحة، وسيوجه صفعة مؤلمة لحكومة "شاهبور بختيار" آخر رئيس وزراء لحكومة الشاه الملكية، والتي كان يعتبرها الشعب وقيادته غير شرعية.
ولم تمض سوى ثلاثة ايام على هذه التصريحات للإمام الخميني الراحل حتى أعلن عن تشكيل الحكومة المؤقتة برئاسة الراحل مهدي بازركان، في الرابع من شباط عام 1979 ما دفع الشعب للنزول بقوة اكثر الى الشوارع، ومطالبة بختيار بالتنحي عن السطلة، ليتوج الشعب مسيراته اليومية بالإنتصار، ويتم الإعلان عن إنتهاء الحقبة الملكية المظلمة في ايران الى الأبد.
لكن ما أثار العجب بين المراقبين والأوساط السياسية ان شاهبور بختيار، وبإيعاز من المستشارين الأمريكيين العملاء الذين كانوا يختبؤون تحت غطاء الدبلوماسية في السفارة الأمريكية بطهران، قرر التمادي في قمع المظاهرات الشعبية، خاصة من يتواصل من أعضاء الحكومة مع المتظاهرين او الشريحة التي كانت تحيط بالإمام الخميني (رض) آنذاك.
وكلما اشتد التعسف الملكي على لسان بختيار واعضاء حكومته، كلما زاد الشعب من اصراره على طرد بختيار وزبانيته، واللجوء الى الإمام الخميني وتأييد حكومته المؤقته، حتى أصبح صباح الثامن من شباط ليقوم فريق من كبار ضباط القوة الجوية بزيارة مقر إقامة الإمام الخميني المؤقت وسط المدينة القديمة للعاصمة طهران، ليعلنوا ولاءهم للإمام وإنضمامهم الى صفوف الشعب والثورة الاسلامية.
هذه الخطوة الذكية شكلت الركيزة الأولى من الركائز الثلاث التي أدت إلى انتصار الثورة الإسلامية كما أكد المرافقون للإمام الخميني والمحللين السياسيين الإيرانيين الذين عايشوا أوضاع تلك الفترة التي قد لايتصورها الكثير من الذين لايصدقونها.
وبدوره الإمام الخميني بعد استقباله للنخبة من ضباط القوة الجوية، دعا كل منتسبي الجيش بمن فيهم الضباط والمراتب والجنود، للحاق بأخوتهم من القوة الجوية، وبالتالي الإنضمام الى صفوف الشعب، وترك النظام الملكي المتهاوي، لينهار على من يحاولون إبقاءه قيد الحياة.
لكن بختيار أعلن في نفس اليوم انه سيقوم بإعدام 400 ضابط من ضباط القوة الجوية الذين تمردوا على الأوامر الملكية، -على حد زعمه- وقاموا بزيارة الإمام الخميني (رض) في مقر إقامته ومبايعته، وتمهيدا لتلك الجريمة أعلن بختيار الأحكام العرفية في كل البلاد، وحظر التجوال في الشوارع بدءا من الساعة الرابعة عصرا من نفس اليوم.
وما أن بلغ الأمر للإمام الخميني حتى اصدر بيانا طلب من الشعب النزول الى الشوارع، لحماية أبنائه منتسبي القوة الجوية، وعدم الإكتراث بتهديدات بختيار وحكومته التي حاولت فرض الأحكام العرفية في البلاد.
فكان الشعب على موعد لتلبية بيان قيادته التي أمنت به وثورته، ونزل الى الشوارع واقتحم معسكر القوة الجوية واشتبك مع القوات التي كانت تأتمر بأوامر ضباط السافاك، وينتهي الأمر بسقوط معسكر القوة الجوية بطهران، ليتبع ذلك في صبيحة اليوم التالي، إعلان الجيش حياديته إزاء المسيرات الشعبية، ما دفع الإمام الخميني الراحل، ليطلب من الشعب أن يستقبلوا اخوانهم من الجيش برحابة صدر، وإن كان بعض مراتبه حتى الأمس القريب يطلقون النار عليه بأمر من السافاك.
وما أن اجتمعت هاتان الركيزتان (القوة الجوية والجيش من جهة، وأبناء الشعب من جهة اخرى)، حتى أكمل الإمام الخميني وبفضل حنكته وقيادته الحكيمة، مشوار الثورة ليعلن الشعب سيطرته على معظم المعسكرات في اليوم التالي اي العاشر من شباط، ويصبح في الصباح الآخر اي في الحادي عشر من شباط عام 1979 منتصراً على النظام الملكي، ويعلن انتصار ثورته في كل ربوع ايران الإسلامية.
هذه الثلاثية اي القيادة الحكيمة للإمام الخميني الراحل، ووقوف الجيش والقوات المسلحة بكل اصنافها وابناء الشعب الى جانب القيادة هي رمز اللغز الذي أدى الى انتصار الثورة الإسلامية، وهو الذي كان وراء صمود نظام الجمهورية الإسلامية الايرانية على مدى ثمانية أعوام من الحرب المفروضة بدعم من معظم قوى الشرق والغرب آنذاك.
ولا عجب ان وجدنا ايران تستمر بالمحافظة على هذه الثلاثية التي مازالت متمسكة بها، وهي التي جعلتها تحقق كل ما تصبوا إليه رغم أربعة عقود لأقسى أنواع الحظر والعقوبات الظالمة من قبل الغرب، ناهيك عن المؤامرات التي لايكاد يوم من تاريخ الثورة الإسلامي في التصدي لها.
فطوبى لإيران وشعبها وقيادتها الذكرى الأربعين لانتصار ثورتها وهنيئا لها حصولها على التقنيات العلمية والعسكرية التي أغنتها عن الركون الى اي جهة أجنبية لتبقى محافظة على الشعارات الأصيلة للثورة الإستقلال والحرية والجمهورية الإسلامية.
عبدالهادي الضيغمي / العالم