بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين، ثم الصلاة والسلام على سيد الخلائق أجمعين، نبينا محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. أعزتنا المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه وبركات.. معكم وتفسير مبسط آخر لآيات القرآن الحكيم ضمن برنامج "نهج الحياة" حيث سنستأنف في هذه الحلقة تفسير آيات سورة الأحقاف المباركة مبدأ من الآيتين الخامسة والسادسة بعد الإستماع الى تلاوتها فكونوا معنا مشكورين..
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ{5} وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ{6}
أيها الأحبة، تشير الآية الخامسة الى أن الإنحراف المعنوي هو أسوأ حالات الإنحراف، والإبتعاد عن الله، واللجوء الى غيره، هو من الإنحرافات المعرفية؛ وذلك لأن غير الله لا يملك ضراً ولا نفعا.
وما تعلمه إيانا هاتان الآيتان أولاً: كل طريق يؤدي الى غير الله هو ضلال.
ثانياً: العلاقات والروابط غير الإلهية تتحول يوم القيامة الى عداوة وخصام.
ثالثا: الطلب من غير الله بدل الطلب من الله، ومع الغفلة عنه سبحانه، نوع من العبادة لغيره تعالى، وتتنافى مع التوحيد.
ورابعاً: المعبودون من دون الله في الدنيا غافلون عن عبادة الناس إياهم ويوم القيامة ينكرونهم.
أما الآن أيها الأفاضل، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيتين السابعة والثامنة من سورة الأحقاف المباركة:
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ{7} أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{8}
كلمة "مبين" في الآية السابعة، عزيزي المستمع، هو وصف لكلام الأنبياء وما ينقلونه عن الله وهذا الكلام معجز وبالغ الأثر الى حد جعل بعض الناس يعدونه من السحر، بسبب تأثيره البالغ في النفوس المستعدة.
وأما كلمة "تفيضون" في الآية الثامنة، هي من الإفاضة، وفاض الماء إذا سال منصباً، ومنه استعير "أفاضوا في الحديث" إذا خاضوا فيه. كما تشير هذه الآية الى أن من يدعي النبوة كاذباً يتولى الله كشفه وفضح خيانته، ولا يمكن لأحد أن يحول بين الله وبين ما يريد من كشف كذب هذا المدعي.
وما نتعلمه من هاتين الآيتين أولاً: عندما تسود روحية اللجاج والعناد، ينكر المرء أوضح الآيات والأدلة ولا يؤمن بها.
ثانياً: معجزات الأنبياء لا تترك أثرها عند ذوي القلوب السوداء المظلمة.
ثالثاً: لابد من الإعتدال في التربية، وعدم سد باب العودة الى الله أمام الناس، واعتماد أسلوبي التخويف والتأميل بالعفو والرحمة الإلهية.
ورابعاً: باب التوبة مفتوح للناس جميعاً، حتى اولئك الكافرين الذين ينكرون الرسالة ولا يصدقون النبي.
والآن، مستمعينا الكرام، ننصت خاشعين الى تلاوة الآيتين التاسعة والعاشرة من سورة الأحقاف المباركة:
قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ{9} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{10}
أيها الأفاضل، كلمة "البدع" في الآية التاسعة هو الشيء المبتدع الجديد، وقد كان المعارضون للنبي (ص) يأخذون عليه أنهم لم يعتادوا ظهور الأنبياء. كما تشير هذ الآية الى أن كل كلام يصدر عن النبي مستند الى الوحي، وتنطبق هذه الصفة على أفعال النبي أيضا ولأجل هذا كان قول النبي وفعله حجة على سائر الناس.
وما تشيره الآية العاشرة أنه لا غنى في بعض المواقف الدعوية عن بيان حقيقة المدعو لرفع غروره أو الحيلولة بينه وبين الغرور. كما يشير أكثر المفسرين عند تفسير هذه الآية إلى أن المراد من "الشاهد" فيها هو عبدالله بن سلام الذي شهد لصالح النبي (ص) والقرآن بين عدد من بني قومه.
حضرات المستمعين الأفاضل، بهذا وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى الملتقى في حلقة أخرى نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.