خلافا للصورة النمطية الشائعة، إن التكنولوجيا النووية لا تقتصر على تخصيب اليورانيوم أو توليد الكهرباء فحسب؛ بل تشمل مجموعة واسعة من التطبيقات السلمية والمدنية التي تلعب دورًا في الحياة اليومية للمواطنين الإيرانيين، بدءا من الطب النووي لتشخيص وعلاج أنواع مختلفة من السرطان، وصولًا إلى إنتاج المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية، العلاج الإشعاعي، تعقيم الأغذية، وتصميم المعدات الصناعية المتقدمة، وكلها ثمرة المعرفة النووية المحلية.
وفيما يخص مجال الزراعة، لعبت التكنولوجيا النووية دورًا مهمًا في الأمن الغذائي من خلال أساليب مثل تشعيع البذور، زيادة مدة صلاحية المنتجات الزراعية، ومكافحة الآفات دون استخدام المبيدات الكيميائية. كما يتم من خلال استخدام أجهزة الكشف النووية، مراقبة موارد المياه الجوفية وإدارة الموارد الطبيعية بدقة أكبر.
يعود فضل تقدم إيران في مجال التكنولوجيا النووية إلى الاستثمار في البحث العلمي، تدريب الكوادر المتخصصة، والجهود الحثيثة للعلماء المحليين. وهذه المعرفة الوطنية لم تضع إيران في مصاف الدول ذات دورة التكنولوجيا النووية الكاملة فحسب، بل زودتها أيضًا بالقدرة على المنافسة على الساحة الدولية.
معهد أبحاث العلوم والفنون النووية؛ معقل العلوم الوطنية
يُعد معهد أبحاث العلوم والفنون النووية الإيراني أحد الأذرع الرئيسية لمنظمة الطاقة الذرية، وهو مسؤول عن تطوير التقنيات النووية المتقدمة في مجالات الطب، الزراعة، الصناعة، النانو، الليزر والبيئة. وبفضل كوادره الخبيرة وبنيته التحتية المختبرية المتطورة، تمكن هذا المعهد البحثي من توفير العديد من المنتجات والخدمات الاستراتيجية للصناعة في البلاد، ومهد الطريق لتسويق المعرفة.
استهدف الكيان الصهيوني الدكتور "أمير حسين فقهي" الراحل، الرئيس الفقيد للمعهد الإيراني للعلوم والفنون النووية، والذي لعب دورًا فعالًا في هذا المسار المتنامي، واستشهد في هذا الطريق؛ لكن طلابه وزملاؤه ما زالوا يتابعون مسيرته.
ملف علمي لسرد القدرات
تعد ليزرات ثاني أكسيد الكربون اليوم من أكثر أنواع الليزر استخدامًا في مختلف المجالات الصناعية والطبية والبحثية والعسكرية. وتعمل هذه الليزرات في الوضعين النبضي والمستمر، بطول موجة إشعاع في نطاق الأشعة تحت الحمراء (في نطاق حوالي 11 ميكرومترًا). وهي تعتبر من أقوى أنواع الليزر في العالم، حيث بلغت قدرتها حتى الآن حوالي 100 كيلوواط.
تتميز أطوال موجات الانبعاث لهذه الليزرات بامتصاص عالٍ في معظم المواد الجزيئية، لذا تُعتبر أداةً قويةً جدًا للتفاعل مع مختلف المواد. وبالمقارنة مع العديد من أنواع الليزر الأخرى، تتميز تقنية تصنيعها بالبساطة النسبية، مما يجعلها من أكثر أنواع الليزر فعاليةً من حيث التكلفة.
الخطوات التالية والآفاق المستقبلية
يسعى تطوير الليزرات الصناعية إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
أولًا، زيادة قدرة النماذج الحالية إلى أكثر من كيلوواط واحد،
وثانيًا، تحسين الجودة البصرية لشعاع الإخراج، زيادة استقرار الأداء، وتقليل استهلاك الغاز.
ستؤدي هذه الأهداف إلى بناء نماذج تُضاهي النماذج التجارية الدولية من حيث الكفاءة والقدرة التنافسية.
وفيما يخص مجال الليزرات الطبية، تُنفَّذ برامج لتحسين السلامة وجودة المكونات وتصميم هياكل جديدة. ومن هذه الإجراءات استبدال أذرع المرآة لنقل الشعاع الضوئي بألياف مجوفة، وهو ما حظي باهتمام عالمي في السنوات الأخيرة.
كما يُعدّ تصنيع ليزرات ثاني أكسيد الكربون الطبية ذات الموجات الموجهة بتقنية ضخ الترددات الراديوية خطوةً أساسيةً في تطوير هذه التقنية.
وفي القطاع الصناعي، يُجرى العمل أيضًا على تصميم ليزرات ضخ ترددات راديوية واسعة النطاق بقدرات تصل إلى عدة كيلوواط.
مجال التطبيق والسوق المستهدفة
تتنوع استخدامات هذه الليزرات في مختلف القطاعات، كما يلي:
الصناعة: القطع، اللحام والعمليات الحرارية.
القطاع العسكري: أجهزة تحديد المدى بالليزر، والليدار (LiDAR) بمعنى الماسح الضوئي.
البحوثات: البلازما، الليزر، والتداخل الضوئي
الطب: جراحات الجلد والشعر، التجميل، والعلاجات طفيفة التوغل
تُظهر الإنجازات التكنولوجية، مثل تطوير ليزرات ثاني أكسيد الكربون، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تتمتع بمكانة مرموقة في مجال التخصيب وإنتاج الطاقة النووية فحسب، بل أيضًا في مجال التقنيات التطبيقية المتقدمة، فهي تُنافس بقوة الدول التي استثمرت في هذا المجال لسنوات. وهذه الإنجازات ثمرة تضافر جهود الباحثين والمؤسسات العلمية، والإرادة الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في التقنيات الاستراتيجية.
ومن المؤمل أن تحقق الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمواصلة المسيرة العلمية لشهداء أمثال "الدكتور فقهي"، والاستفادة من إمكانيات معهد أبحاث العلوم والفنون النووية، مكانة مرموقة، ليس فقط في تلبية الاحتياجات المحلية، بل أيضًا في تصدير التقنيات المتقدمة.