البث المباشر

الولايات المتحدة تشن حرباً اقتصادية حتى على أوروبا

الجمعة 7 أكتوبر 2022 - 19:53 بتوقيت طهران
الولايات المتحدة تشن حرباً اقتصادية حتى على أوروبا

لا تأبه الولايات المتحدة الأميركية لمعاناة حلفائها الأوروبيين، ولو كانت المملكة المتحدة على رأس قائمة الذين يعانون من أسعار الطاقة، التي ارتفعت بصورة كبيرة وبدأت تغير أنماط حياة الأوروبيين.

"الدين العام للولايات المتحدة يتجاوز 31 تريليون دولار للمرة الأولى في التاريخ، وفقاً للتقرير الصادر عن الخزانة الأميركية". هذا ما ورد في مقالة لورين بيرد في موقع "ماني وايز"، وهذا يعني أنّ كلّ مواطن أميركي يقع تحت دين يوازي 93 ألف دولار، وفقاً لمؤسسة "بيتر ج. بيترسون"، مع معدل فائدة على الدين يتراوح بين 3 و3.35%، ما يجعل من الصعب السيطرة على نمو الدين.

يعود النمو الكبير في الدين الأميركي إلى الإنفاق الحكومي الكبير الذي جرى خلال أول عامين من ولاية الرئيس جو بايدن، بعد طبع نحو 6 تريليون دولار من الأوراق النقدية ورفع الفائدة على الدولار لتغطية عدد من سياسات الإنفاق التي تقدمت بها إدارة بايدن لكسب تعاطف الناخبين قبيل الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي الشهر المقبل.

وضمن هذه السياسات، هناك خطة الإنقاذ الأميركية التي كلفت حتى الآن 1.9 تريليون دولار، وخطة الإغاثة الخاصة بقروض الطلاب، وخطط أخرى تقدمها إدارة بايدن قد ترفع الدين بنحو 5 تريليونات دولار أميركي مع حلول العام 2031. ومع ارتفاع فوائد الدين، سيكون من الصعب على الولايات المتحدة إطلاق خطط تنموية لمعالجة الأزمة الاقتصادية البنيوية في البلاد.

قد يكون هذا هو أحد العوامل التي جعلت الولايات المتحدة تلجأ إلى تصدير الأزمة عبر الدخول في نزاعات في عدد من المناطق حول العالم، بما فيها إشعال الأزمة الأوكرانية. هذه الأزمة، عدا عن أنها تفصل بين أوروبا وروسيا، ما يحصر الأخيرة في البر الآسيوي، ويجعل الأولى تعتمد على واشنطن لضمان أمنها، فإنها تساهم أيضاً في قطع إمدادات الطاقة من روسيا إلى أوروبا، علماً أن القارة العجوز تعتمد على موسكو لتأمين نحو 40% من حاجاتها من النفط والغاز.

هذا الأمر يجعل القارة العجوز تعتمد أيضاً على واشنطن في تأمين احتياجاتها من النفط والغاز، في ظل عجزها عن إيجاد مصادر طاقة بديلة من المصادر الروسية، علماً أن النفط والغاز الأحفوريين المنتجين في الولايات المتحدة تبلغ كلفتهما أضعاف تكاليف إنتاج الغاز والنفط الروسي، ما يرفع بشكل كبير تكاليف الطاقة في القارة العجوز.

وقد اشتكت دول أوروبية عدة، على رأسها ألمانيا، من ارتفاع أسعار النفط والغاز الأميركيين، إذ تسعى الولايات المتحدة للاستفادة من الأزمة بين روسيا وأوروبا للاستيلاء على حصة موسكو من سوق الطاقة الأوروبية، بما يساهم جزئياً في حل الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة، ولو على المدى القصير.

ولا تأبه واشنطن لمعاناة حلفائها الأوروبيين، حتى لو كانت المملكة المتحدة على رأس قائمة الذين يعانون من أسعار الطاقة، فقد سُجل في هذا البلد ارتفاع كبير في أسعار فاتورة الطاقة، بما أدى إلى لجوء العائلات البريطانية إلى تغيير أنماطها الاستهلاكية والغذائية للتوفير في استهلاك الغاز.

وفق مقالة لـ"زو وود" في جريدة "الغارديان"، فإن العائلات البريطانية بدأت بالاستغناء عن المأكولات التي تحتاج إلى تحميص مثلاً لتوفير استخدام الغاز المنزلي. وقد أعلن واحد من كل 4 بريطانيين أنه بدأ بالاستغناء عن التحميص والاستعاضة بالقلي لإعداد وجبات الطعام، فيما أعلن خُمس البريطانيين أنهم بدأوا بالتقليل من بعض وجبات الطعام، وفقاً للتقرير السنوي لـ"غود فود نايشن" (أمة الطعام السليم).

وأعلن 20% أنهم استغنوا عن استخدام الأفران في منازلهم، فيما أعلن 23% آخرون أنهم خففوا استعمال أفرانهم في الطهو. تكمن خطورة هذا الموضوع في التأثير السلبي في صحة العائلات البريطانية التي بدأت تعوّض الوجبات الصحية التي تحتاج إلى وقت طويل للطهو بوجبات غير صحية تستوجب وقتاً أقل، ما يهدد برفع فاتورة الاستشفاء والطبابة، ويؤثر سلباً في معدل الأعمار في المملكة المتحدة.

وفي تقرير آخر، تمت الإشارة إلى أنَّ ثلث المدرسين الثانويين باتوا يعانون أوضاعاً اقتصادية صعبة تجعلهم حتى لا يستطيعون سد حاجاتهم من الطعام. وأشار مسح أجرته جريدة "الإندبندنت" إلى أن المدرسين أشاروا إلى أن الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة يؤثران سلباً في قدرتهم على أداء واجباتهم، ما يؤثر بدوره في المستوى التعليمي للطلاب في بلاد لا تزال تعتبر أن مستوى التعليم فيها من ضمن الأعلى في العالم.

إضافةً إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار النفط والغاز دفع بريطانيا إلى الاعتماد أكثر على إنتاج الطاقة النووية عبر زيادة الإنتاج من محطاتها النووية المتقادمة، لكن المشكلة تكمن في أن هذا الأمر، وإن كان يساهم في توفير جزء من الفاتورة العالية للغاز والنفط المستخدمين لإنتاج الطاقة الكهربائية، له تكاليف أخرى من نوع آخر؛ فهناك كلفة التخلّص من النفايات النووية الناجمة عن عملية الإنتاج، والتي تقدر بنحو 260 مليار باوند، إضافةً إلى التكاليف غير المباشرة المتمثلة بالتلوث البيئي الكبير الذي ينتج من هذه المحطات، والمخاطر الكبرى على المناطق السكنية القريبة من هذه المفاعلات.

ولم تثمر جهود الدول الأوروبية حتى الآن إيجاد بدائل عن الغاز والنفط الروسيين. ففي جولة له في أواخر شهر أيلول/ سبتمبر في الخليج (الفارسي)، لم يستطع المستشار الألماني أولاف شولتس إلا تأمين شحنة نفط واحدة من الغاز من دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويبلغ حجم الشحنة التي ستسلّمها شركة أبو ظبي الوطنية للنفط 137 ألف متر مكعب في بدايات العام 2023. ولا يسد هذا احتياجات ألمانيا إلا لفترة وجيزة جداً، علماً أن روسيا، بسبب المواقف الأوروبية المعادية لها، أغلقت معظم أنابيب النفط التي تمد القارة العجوز بالنفط والغاز بذريعة صيانتها أو وجود أعطال فيها، ما يؤذن بأن شتاء ألمانيا سيكون قاسياً، في ظل توجه إلى تقنين الكهرباء والتدفئة في بلاد معروفة بشتائها القارس.

وما لم تقم به روسيا تكفَّل به حادث تعرّض له خط "السيل الشمالي واحد" الَّذي تعرض لانفجار دفع المراقبين إلى اتهام الولايات المتحدة بافتعاله لوقف إمدادات النفط الروسية إلى ألمانيا، ودفع الأخيرة إلى القبول بشراء النفط والغاز الأميركيين بأسعار مرتفعة.

واللافت في الأمر أنَّ الاتهام جاء على لسان مقدم البرامج في قناة "فوكس نيوز" تاكر كارلسون. وقد اتهم كارسلون إدارة بايدن بالوقوف خلف الحادث، ما يجعلها في حرب مباشرة مع روسيا التي تمتلك قوة نووية. وقد استند كارلسون إلى إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين أن التسرب الذي حصل في الأنابيب نتج من عمل تخريبي.

وقد أيدت فنلندا والدنمارك والسويد والمملكة المتحدة المزاعم التي تقول بحصول عمل تخريبي، ما أوقف الإمدادات الروسية من النفط والغاز تماماً إلى أوروبا. ولفت كارلسون إلى أنَّ الرئيس بايدن سبق أن حذَّر من وقوع أعمال تخريبية تطال الأنابيب الروسية إلى أوروبا، ما يجعله المتهم الأول بإعطاء الأوامر للتخريب.

ولكن يبدو أنّ كلّ هذه الإجراءات، بما فيها الحرب الاقتصادية على الحلفاء، لن تساهم في إيجاد حل للأزمة البنيوية للاقتصاد الأميركي. حتى الآن، لا يبدو أن النفط والغاز الأميركيين يمكن أن يشكلا مصدراً أساسياً لسد العجز في الميزان التجاري، وفي وفاء جزء من الديون الأميركية الضخمة.

أما الطفرة التي أحدثها ضخ العملة الأميركية في السوق ورفع الفوائد على الدولار الأميركي، فيبدو أنها أحدثت طفرة موقتة ستزيد أعباء خدمة الدين في المديين المتوسط والبعيد. وحتى قيمة الدولار التي ارتفعت في مقابل الذهب والعملات الأخرى نتيجة رفع الفوائد، لا يبدو أنها ستدوم طويلاً في ظل تحرك الصين لاتخاذ إجراءات توقف تراجع اليوان في مقابل الدولار.

على الرغم من أن انخفاض اليوان في مقابل الدولار يساهم في تعزيز عمليات تصدير السلع الصينية المختلفة إلى السوق الأميركي والأسواق العالمية، فإنَّ ارتفاع قيمة الدولار أمام اليوان حرك الحس القومي للصينيين الذين تعتمد حكومتهم منذ عقود سياسة تعزيز اليوان في مقابل الدولار.

الجدير ذكره أنَّ الصين ترفض تراجع اليوان في مقابل الدولار تحت عتبة 7 يوان للدولار الواحد، لكن خلال العام الفائت، وصل اليوان إلى أدنى مستوى له في مقابل الدولار منذ عام 1994.

في نتيجة رفع الفوائد على الدولار لتعزيز القدرة الشرائية للمواطن الأميركي، تراجعت العملات العالمية، ومن ضمنها اليوان الذي سجل أدنى مستوى له بواقع 7.134 يوان للدولار الواحد، ما دفع الحكومة الصينية إلى الإيعاز إلى مديري المصارف الصينية الحكومية للاستعداد لبيع جزء كبير من موجوداتها بالدولار لشراء اليوان.

هذا يضاف إلى مساعي العديد من القوى الكبرى، مثل روسيا والهند والصين، إلى الاستغناء عن الدولار في تعاملاتها البينية، بما سيؤدي على المديين المتوسط والبعيد إلى تراجع قيمة الدولار الأميركي، بما يجوّف كل الإجراءات المالية والاقتصادية لبايدن من مضمونها.

جمال واكيم

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة