البث المباشر

معرفة النفس الانسانية -۱

السبت 2 فبراير 2019 - 10:02 بتوقيت طهران

الحلقة 219

النفس الانسانية في آفاقها وقيمتها وما يصيبها انما هي موضوع حظي بأهتمام واسع في القديم والحديث، فما هي قصة هذه النفس في هذه الميادين كلها؟ هذا ما ستمر فيه فيما يأتي من الدقائق الآتية من البرنامج.
الواقع ان فهم النفس الانسانية هو جزء من فهم الانسان، من اجل هذا اختلف مفهوم هذه النفس تبعاً لاختلاف الرؤى والثقافات والنظريات والفلسفات، وموقف الاسلام من النفس الانسانية شأنه في موقفه من الانسان من ارحب هذه المناهج نظرة واوسعها افقاً واعرفها بميول الانسان وغرائزه وحاجاته واكثرها للنفس تحريراً ودعوة الى الخير والهدى والارتفاع عن الدنايا. من اجل ذلك كان للاسلام علم نفس خاص يختلف عن المفاهيم التي طرحتها بعض النظريات التي قامت على فكرة الخطيئة والخلاص واذلال النفس بتحريم الطيبات وكراهية الرغبات وسد باب الغرائز، ثم ان هذه المفاهيم الاسلامية في مجموعة تختلف عما يطلق عليه في العصر الحديث علم النفس الذي هو في غالب شأنه مجموعة من العقائد والاتجاهات التلمودية المصوغة بأسلوب له طابع علمي خادع.
ولاريب ان فيما طرح من افكار ونظريات نفسية عن طريق المدارس الموجودة الان انما هو حقائق واخطاء تصورات صحيحة واخرى فاسدة وفرضيات قد تصدق في بعض المجتمعات ولا تصدق في البعض الاخر الواقع ان الاصول الاصيلة للمفاهيم النفسية انما هي ميراث النبوة وما قدمه القرآن الكريم وصاغه علماء المسلمين في هذا السياق، لقد قدم علماء المسلمين مجموعة من الاصول العامة لفهم النفس الانسانية تمثل نظرة جامعة كاملة متوازنة قائمة على المجاهدة والكظم في مواجهة الرغبات المذلة وقائمة ايضاً على التماس الفطرة والاعتدال في الرغبات المباحة. يقول الغزالي ان الاعتدال هو الميزان الصحيح لجميع انواع السلوك والخروج عن حد الاعتدال الى الافراط والتفريط هو مصدر الامراض النفسية والعلاج هو العودة الى الاعتدال الواجب، والغاية من كل سلوك معرفة الله سبحانه وتعالى. ومراعاة ما امر به سبحانه في كتابه المجيد ليهتدي الناس الى الصراط المستقيم واتباع منهاج التقوى.
والغزالي يرى ان للغريزة مراحل ثلاث، افراطاً وتفريطاً واعتدالاً، الافراط يقهر العقل حتى يصرف همة الرجل الى اصطياد اللذائد فيحرم من سلوك سبيل الاخرة او يقهر الدين حتى يجر الى اقتحام الفواحش والتفريط في هذه الغريزة هو الضعف وهو مذموم، اما المحمود فهو ان تكون معتدلة ومتجانسة مع العقل السليم والتشريع، وقد رسم الغزالي لعلاج هذا الامر اشياء ثلاثة هي الجوع وغض البصر والاشتغال بشيء يستولي على القلب، واذا نظرنا الى مفاهيم علم النفس المطروحة الان نجد ان فرويد رد السلوك الانساني الى الغريزة الجنسية ونجد ادلر قد رد السلوك الانساني الى غريزة السيطره بيد ان الاسلام ينظر الى النفس في اطار التوازن بعيداً عن طرفي الاسراف والجمود معاً وقد اباح الاسلام شهوة الطعام والاستمتاع بطيبات الحياة لكنه وضعها في اطار يحمي بها النفس الانسانية من الانحراف وحفظها لكي تكون قادرة على التماس طريقها الى اشواقها الروحية دون ان يغلق عنها هذا الباب، الذي هو احد بابيها الاصليين من حيث هي سلالة من طين ونفخة من الروح.
وفي كل نفس منطقة للخوف ومنطقة للامان يتوازيان في الحالة السوية فاذا طغت احداهما على الاخرى حدث ما يخالف الاستواء، والايمان هو مصدر السكينة والطمأنينة والامن فأذا تنكرت له النفس وانساقت للاهواء عاشت في الخوف والقلق والتمزق حتى تعود اليه مرة اخرى، واذا كانت ازمة الانسان المعاصر الان هي الخوف والقلق وما احدثت به من تدمير خطير فأنما يرجع ذلك الى ان النفس انكرت وجودها الحقيقي، والخوف اذا تغلب على الانسان فقد اتزانه وقدرته واصبح انساناً خائفاً من الحقيقة ومن الخيال، خائفاً من الممكن ومن غير الممكن.
وقد اعلن القرآن الكريم وجود الحارس الرقيب اليقظ في النفس الانسانية يذودها عن الشر ويدعوها الى الخير وينقلها من الخطأ الى الصحيح، ويسمي القرآن الكريم هذا الرقيب بأسم النفس اللوامة: «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ» وهذا ما يسمى في العصر الحديث بالضمير، وقد اودع الباري تعالى في النفس البشرية هذه الملكة او الرقيب الحارس اليقظ لتحاسب الانسان على تصرفاته، وقد تؤرق نومه اذا تساهل في اصلاح امره، لكن هذا الرقيب مما يمكن تنميته وتقويته وقد يتركه الانسان فيضعف عن المقاومة وقد يتلاشى امام التبريرات الوهمية المستمرة.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة