كتب إليّ الأخ زاهد الرّضويّ من دهلي بالهند أن من القائل:
إن كان قد بعد اللقاء فودّنا
دان ونحن على النّوى أحباب
كم قاطع للوصل يؤمن ودّه
ومواصل بوداده يرتاب؟
قلت للإخ الرّضويّ الدّهلويّ الكريم: قائل هاذين البيتين هو الشاعر البارع، العالم الجامع ابن وكيع التنّيسيّ الحسن بن عليّ بن أحمد الضّبّيّ البغداديّ الأصل المتوفّى بمسقط رأسه تنيس - وهي مدينة مصريّة قرب دمياط- سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة. وله ديوان شعر جيّد منه:
لقد قنعت همّتي بالخمول
وصدّت عن الرّتب العاليه
وما جهلت طيب طعم العلا
ولكنّها تؤثر العافيه
وهتف إليّ المستمع الكريم عبد الرّسول الكعبيّ من الأهواز بجنوب إيران أن لمن هاذا القول البديع المليح:
أفدي الذي زرته بالسّيف مشتملاً
ولحظ عينيه أمضى من مضاربه؟
قلت للأخ الكعبيّ الأهوازيّ الكريم: هاذا القول البديع المليح لأبي المطاع ذي القرنين ابن حمدان بن ناصر الدّولة الحسن بن عبدالله الحمدانيّ صاحب الموصل.
وأبو المطاع ذو القرنين شاعر ظريف حسن السّبك جميل المقاصد، وشعره كثير حسن.
وتوفّي أبو المطاع في دمشق في صفر سنة ثمان وعشرين وأربع مئة. وبيته المسئول عنه أوّل ثلاثة أبيات هاذا ترتيبهنّ:
أفدي الذي زرته بالسّيف مشتملاً
ولحظ عينيه أمضى من مضاربه
فما خلعت نجادي في العناق له
حتى لبست نجاداً من ذوائبه
فكان أسعدنا في نيل بغيته
من كان في الحبّ اشقانا بصاحبه
وسألني الصّديق جمال النّيليّ من دار السلام بغداد عن قاتل هاذا العذب الزّلال:
يا سقيم الجفون من غير سقم
لا تلمني إن متّ فيهنّ سقما؟
فقلت له: هاذا العذب الزّلال لإمام التشيّع والكلام والشعر والبلاغه، الكثير التّصانيف، المتبحّر في فنون العلم، وصنوف الأدب الشّريف المرتضى محمّد بن الحسين الموسويّ شقيق الشريف الرّضيّ عليّ جامع نهج البلاغة، وكلاهما شاعر أديب، وفقيه متكلّم، ونقيب ورئيس.
وبيت المرتضى المسئول عنه بين بيتين له هاذه صورتهنّ معاً:
قل لمن خدّه من اللحظ دام
رقّ لي من جوانح فيك تدمى
يا سقيم الجفون من غير سقم
لا تلمني إن متّ فيهنّ سقما
أنا خاطرت في هواك بقلب
ركب البحر فيك إمّا وإمّا
وتوفّي الشريف المرتضى بالكاظمّية المنسوبة لجدّه الإمام موسى الكاظم –عليهما السّلام- سنة ست وثلاثين وأربع مئة.
وكتب إليّ الأخ عبد الخالق الكنانيّ ان من القائل:
إن غاض دمعك والرّكاب تساق
مع ما بقلبك فهو منك نفاق؟
قلت للأخ الكفانيّ العزيز من الحلّة الفيحاء: قائل هاذا البيت هو البياضيّ الشاعر مسعود بن عبد العزيز بن المحسن بن عبدالّرزّاق، وهو شاعر مجيد، وله ديوان شعر صغير، وهو في غاية الّرقة، وليس فيه من المدح إلاّ اليسير.
والبيت الذي بين أيدينا مطلع قصيدة من إحسن شعره، ومنها:
لا تحبسن ماء الجفون فإنّه
لك يا لديغ هو اهم ترياق
وأحذر مصاحبة العذول فإنّه
مغر وظاهر عذله إشفاق
لا يبعدن زمن مضت أيّامه
وعلى متون غصونها أوراق
ولنا بزوراء العراق مواسم
كانت تقام لطيبها أسواق
فلئن بكت عيني دماً شوقاً إلى
ذاك الزّمان فمثله يشتاق
وتوفي هاذا الشاعر المشهور أواخر سنة ثمان وستين وأربع مئة.
وكانت وفاته ببغداد، وفيها دفن.
وقيل له البياضيّ، لأنّ أحد أجداده كان في مجلس خليفة عبّاسيّ مع جماعة من العبّاسيّين لبوا سواداً ماعدا ذالك الجدّ، فإنّه كان قد لبس بياضاً، فقال الخليفة: من ذالك البياضيّ؟
فثبت ذالك الاسم عليه، واشتهر به.
*******