عندما اتخذ الأمريكيون عام 2020 بدفع ومتابعة مباشرة من "الإسرائيلي" قرار اغتيال الجنرال قاسم سليماني ورفيق دربه الحاج ابو مهدي المهندس، كان الهدف الفعلي لهذا الإغتيال هو وقف مسار تصاعد قوة محور المقاومة وقدراته، عبر إزاحة قائد قوة القدس والمدير العملاني لمناورة المحور في مواجهة الأمريكيين والصهاينة والإرهاب من الطرفين داعش وملحقاته.
واليوم، وبعد مرور عامين على الإغتيال، يتكشف الفشل الأمريكي – الصهيوني في تحقيق هدفه من هذا الإغتيال يومًا بعد يوم، حيث انقلب السحر على الساحر، فبدل من أن يتوقف المسار التصاعدي لمحور المقاومة، تراجعت الهيمنة الأمريكية وتكشفت هزيمتها في ساحات عدّة في مناطق غرب آسيا والعالم، بالتزامن مع تصاعد انجازات وقوة محور المقاومة. ويذكر أن فرص وامكانية تحقيق هدف المحور قد تزايد، هذا الهدف المبني على إخراج الأمريكي من منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط) وإزالة الكيان المؤقت من الوجود.
وما يؤكّد على تعاظم قوّة محور المقاومة هو كلام مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن جيك ساليفان الذي قال "ايران أصبحت أقوى بعد اغتيال قاسم سليماني"، بالإضافة الى ما تضمنه مؤخرًا التقرير الاستراتيجي السنوي الصادر عن "معهد ابحاث الأمن القومي الإسرائيلي"، والذي احتوى على خلاصات وتوصيات بشأن السياسات التي يجب اتباعها خلال العام 2022 وتحذيرات من استمرار ما حصل العام الماضي من "تدهور في ميزان الأمن القومي الإسرائيلي"، وذلك على عدّة مستويات أهمهّا استمرار التآكل في التفوق النوعي الاسرائيلي مقابل ايران التي تتقدم بمشروع دقة الصواريخ وتحررها من خطر الأسلحة المتطورة.
بعد الإغتيال، أصبح مسار تطوّر قوّة وقدرات محور المقاومة واضحة جدًّا وأصبحت نقاط قوة أطراف المحور وفصائله متزايدة بشكل لم يعد الأمريكي والصهاينة يملكون القدرة على اللحاق بهذا المسار وضبط حركة تصاعده، إن كان في اليمن، ايران، العراق، فلسطين المحتلة، ولبنان.
تستعرض هذه الورقة أهمّ الإنجازات الاستراتيجية التي حققها محور المقاومة منذ اغتيال الشهيد قاسم سليماني ورفيقه الشهيد أبو مهدي المهندس، مع تقديم التوصيف والقيم الرقمية واعترافات العدو والأثار والتدعيات لكل انجاز من انجازات محور المقاومة.
فلسطين المحتلة
- معركة سيف القدس
شكلّت معركة "سيف القدس" محطة تحوّل كبرى ومفصلية في تاريخ محور المقاومة وتاريخ الثورة الفلسطينية في صراعها مع الكيان المؤقت، وفي تاريخ الصراع بين الأمة الإسلامية وهذا الكيان.
نهار الإثنين الواقع 10 أيار 2021، وفي تمام الساعة 04:40 عصراً، مَنح الناطق الرسمي باسم "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، أبو عبيدة، العدو الإسرائيلي، "مهلةً حتى الساعة السادسة لسحب جنوده ومغتصبيه من المسجد الأقصى المبارك وحيّ الشيخ جراح، والإفراج عن كلّ المعتقلين خلال هَبّة القدس الأخيرة، وإلّا فقد أعذر من أنذر". عقب هذا التهديد، تواصَلت قيادة المقاومة في لبنان مع قيادة المقاومة الفلسطينية، واستمعت إلى تقييمها للأوضاع. أَبلغت المقاومة الفلسطينية "الإخوة في لبنان، بأن التقدير هو أن رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، لن يلغي مسيرة المستوطنين في القدس، وأن المقاومة ستنفّذ تهديدها وهو قصف العمق الإسرائيلي"، بحسب قيادي في المقاومة الفلسطينية لجريدة الأخبار. كذلك، أَبلغت قيادة "حماس"، المعنيّين في لبنان، بأن المقاومة الفلسطينية تتوقّع ردًّا إسرائيليًا عنيفًا وتصعيدًا يستمرّ لقرابة أسبوعين. في تلك الجلسة، وَضعت القيادتان خطَّين أحمرَين يُمنع تجاوزهما ويستدعيان تدخُّل محور المقاومة: الأول أن تستمرّ المعركة لما يقارب 50 يوماً كما جرى خلال حرب 2014، والثاني استهداف المخزون الصاروخي للمقاومة الفلسطينية واضطرارها لـ"الاقتصاد" في عملية إطلاق الصواريخ تجاه كيان العدو.
في تمام الساعة السادسة من مساء يوم الإثنين المذكور، أَطلقت "كتائب القسام" 6 صواريخ باتجاه مدينة القدس المحتلة، لتبدأ معها معركة "سيف القدس". اختيار هذا التوقيت بالذات، ومعه عدد الصواريخ المُعادل له، يعود إلى أن غالبية الشعارات التي نادت بتدخّل غزة للدفاع عن مدينة القدس انطلقت من البوّابة الرقم 6 في حرم المسجد الأقصى. قبل تنفيذ المقاومة تهديدها، تناقضت تقييمات أجهزة الأمن الإسرائيلية حول نيّة "حماس" إطلاق رشقة صاروخية باتجاه وسط الكيان. وصل رأي "الشاباك" وتقديره قبل ساعة من انتهاء مهلة المقاومة، إلى المجلس الأمني الوزاري المصغّر (الكابينت). خلال الجلسة، أوصى رئيس "الشاباك"، نداف أرغمان، بتوجيه ضربة استباقية ضدّ غزة، وهو ما رفضه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه بيني غانتس، في انتظار تلقّي الضربة الأولى للظهور بمظهر الضحية، والتوجّه بعدها إلى حملة عسكرية تحظى بتأييد أميركي، بحسب ما كتبه الصحافي الإسرائيلي، بن كسبيت، في موقع "المونيتور".
مع بدء معركة "سيف القدس"، رفعت المقاومة في لبنان درجة استنفارها، الذي كانت بدأته مسبقاً تحسّبًا لأيّ غدر إسرائيلي خلال مناورة "مركبات النار" التي نوى جيش العدو إجراءها في أوائل أيار 2021. لكن، وعلى رغم إلغاء المناورة مع بدء حملة "حارس الأسوار" (الاسم الذي أطلقه العدو على المعركة)، بقي استنفار الوحدات الصاروخية في "حزب الله" مستمرًّا. خلال المعركة، تحرّكت الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، من خلال تظاهرات على الشريط الحدودي وإطلاق عدد من الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة. كما أُطلقت صواريخ من سوريا وطائرة مُسيّرة (لم يستطع العدو تحديد مكان إطلاقها إن كانت من سوريا أو العراق)، وذلك بالتزامن مع المعركة الدائرة في جنوب فلسطين.
يمكن اعتبار هذا المشهد مناورة لحرب تتوحّد فيها الجبهات، ولِما سيعيشه العدو في "حرب التحرير الكبرى"، وكلّ ما جرى في هذه المعركة من تنسيق بين فصائل محور المقاومة كان جزءاً من المناورة لمعركة إزالة الكيان المؤقت.