سلام من الله الرؤوف العطوف عليكم احباءنا وانتم تتابعون قصة اخرى من قصص الفائزين بتجليات الرأفة الالهية ببركة التوسل برضاه الامام الرؤوف علي بن موسى عليهما السلام، وهو سليل نبي الرحمة الذي مدحه الله عزوجل بانه الحريص على خير الناس وبالمؤمنين رؤوف رحيم.
ابواب الرأفة والرحمة الالهية مفتوحة تحف بالقلوب المنكسرة تدعوها الى الدخول الى رحابها من باب ابتغاء الوسيلة الحقة ومن باب الدعاء وقد اختار معد هذه القصة لها عنوان:
حينما تتفتح في القلب براعم الدعاء
كان قد مضى من الليل نصفه، والقمر يتراءى من خلال السحاب في السماء. والصمت الحزين يغطي كل ارجاء المدينة.
تحت السماء المقمرة كان المصباح الكهربائي مضاءً في احد المنازل المتواضعة: يتناهى الى الآذان منه صوت ترنيمة ام تنيم طفلتها الصغيره، وعيناها الواجمتان تحدقان بعزيزتها «برستو».
في قلب الليل كانت فاطمة المحزونة تناغي مريضها ذا الأشهر الثمانية التي هي كل حياتها وكل املها... واضعةً صغيرتها المهزولة على ساقيها تحركهما كالمهد، تغفو لحظه وتنام، فتستريح قليلاً من هذه الآلام المبرحة التي لا تفارقها.
وعلى صوت مناغاة امها الدافي تغفو وليدتها وتنام، لكنها سرعان ما تفتح عينيها صارخة من شدة الالم. وعلى بكاء الصغيره يستفيق الاب المتعب «هوشنك» الذي اخلد قبل دقائق الي النوم، ونهض باتجاه زوجته. اراد ان يشاطرها متاعبها ومأساتها، فاحتضن «برستو» وراح يناغيها، وهو يدور بها في الغرفة جيئةً وذهاباً. قال لزوجته:
- استريحي انت يا فاطمة، فقد تعبت كثيراً.
لكن فاطمة لم تطق ان تنام. اعطت صغيرتها دواءها وهي محمولة في احضان ابيها.
لم تكن هذه هي الليلة الاولى التي تمضي على هذا النحو. لقد كان داب هذين الزوجين منذ شهر ونصف الشهر، القيام بتمريض عزيزتهما الغالية ومقاساة سهر الليالي.
كانت «برستو» مركز اهتمام فاطمة ومحور كل مساعيها. صحيح ان عمرها لم يتجاوز شهوراً ثمانية، لكن ما انطبع على قسمات وجهها ووجه زوجها كانما هو آثار ثمانين سنة من الكرب والعذاب.
ان عيني الام تتطلعان، طيلة تكلم الايام الثقيلة، الى هذا الجسد الذابل النحيل الذي ترى انه شمعة حياتها. لم يعد لها اشتهاء لطعام ولا رغبة في نوم. لقد تركز كل شيء عندها في «برستو» العليلة. وكان التفكير في مستقبل الصغيره ومصيرها يحفر في ذهنها حفراً عميقة، ويسلمها الى ظلام دنيا اليأس.
وتغرق فاطمة في التفكير... تستذكر السنوات الصعبة التي مرت عليها بعد الزواج... السنوات التي كانت لها ولزوجها فيها ذكريات للانتظار في حلاوتها ومرارتها.
لم تكن ثلاث سنوات من انتظار وليد بالسنوات القليلة. وما اكثر الليالي التي مدا فيها ايدي الضراعة والدعاء! وكم سمعا عتاباً وتأنيباً من هذا وذاك! وكم من نذر قد نذرا في هذا السبيل!
وفي آخر الامر... اثمر الانتظار ثمرته، ومن الله عليهما بولد غدا نوراً في عش الاسرة الصغير. غير ان هذا الدفء الحاني الذي جاء مع الوليد لم يكن ذا عمر طويل وعلى خلاف ما سعى اليه الاطباء من وراء اجراء العملية الجراحية، كان التقدير ان يصرع الداء طفلهما ذا الاشهر التسعة بعد اصابته بتعفن حاد في الاذن. ومرة اخرى عاد منزلهما اليأس الىالصمت والخفوف سنوات عديدة، ودخل في برودة موحشة... حتى تفضل الله عليهما، بعد التضرع والدعاء، بـ«برستو» التي ودعا بمقدمها مرارات الذكريات الغابرة. لقد كانت فاطمة معذورة اذن ان تخاف من مثل هذا المرض الذي سلبها وليدها البكر وحرمها حنان الامومة.
انها الآن على استعداد لتعمل اي شيء، خشية ان تتكرر مأساتها من جديد. اختارت لمعالجة «برستو» امهر الاطباء، واضعة نصب عينيها الافادة من خبرات الاطباء في معالجة وليدها الاول
ابتليت «برستو» الحبيبة بتعفن شديد في الاذن، وكان الدم يخرج من اذنيها مختلطاً بالمواد وبالسوائل الكريهة الرائحة، حتى لم يعد يتحمله احد ممن كانوا حولها من الاهل والاقرباء. ولم يفد العلاج شيئاً، وكان قلق فاطمة يتضاعف وخوفها في ازدياد.
كتب لها الدكتور «الديلمي» في جرجان رسالة توصية الى مستشفى القائم في مشهد، قسم الاطفال (الانف والاذن والحنجرة)، لاجراء اللازم، فقد كانت بنتها بحاجة الىعنابة خاصة لا يوفرها مستشفى جرجان.
وصلت فاطمة الى مدينة مشهد متعبة، تنتابها هو اجس القلق والخوف حاملةً على يديها قطعة من كيانها، تخشى عليها ان يخطفها الموت في اية لحظه. واحست بالعجز. انها عاجزة عن حماية وحيدتها العزيزة... عاجزة عن فعل اي شيء. انها جاءت الى مشهد بتوصية طبيب، لكن لها تجربة مع الطب في وليدها الاول الذي انزلق من يديها بمحضر الاطباء. وها هي ذي تجيء مضطرة الى المستشفى في مشهد. كانت تتعلق باي شيء وكانت ذكرى ولدها البكر تضغط عليها بعنف.
كانت السيارة تقودها وزوجها في شوارع مشهد الى الفندق حيث ينبغي ان تقيم.
وفي الطريق لمحت القبة الذهبية السامقة في قلب المدينة المقدسة. انها قبة رضا آل محمد عليهم السلام. لعلها فوجئت بمرآها. كان شيئاً كان غافياً في داخلها واستيقظ في لحظة، فاذا هي تحس فجأة انها امام كعبة الآمال. نسيت تماماً المستشفى ورسالة الطبيب. اختنقت بعبرتها وانفجرت من عينيها الدموع.
هناك جرى بوح القلب منها على اللسان. كانت فاطمة تحكي للامام الرضا(ع) كما يحكي الضائع الذي عثر على اهله بعد طول نأي واغتراب... كأنما هو(ع) ابوها الشفيق وملجاً قلبها الذي تشعر- حين تأوي اليه- بالطمأنينة والامان.
كانت خطواتها وهي تمضي قدماً في ارض الصحن العتيق خطوات متعجل يريد بلوغ هدف نفيس. ها هي قد جاءت اليه بحبة قلبها المعنى يحدوها الف امل وامل. ان قلبها يحدثها بالشفاء الذي ستفوز به روحها اذا ما فازت به «برستو».
انها الآن في ضيافة نور قدسي تعلم انه قادر على كشف جميع الكروب.
ربطت يد «برستو» الى الشباك الفولاذي بخيط عثرت عليه هناك، واقتعدت به ناحية بعينين ملؤهما امل ورجاء. وكان قلبها هو من يحكي انشودة مناجاة عميقة لا يقوى على الافصاح بها اللسان.
عيناها مشدودتان الى «برستو» المربوطة معصمها الى نافذة الكريم... تتحسس من وقت لآخر حرارة بدنها المرتفعة بظاهر كفها. اتسعت حد قتاها ذعراً بادئ الامر اذ رأت عقدة الحبل محلولة من معصم طفلتها الصغيرة، ولا حظت حرارتها تهبط. ثم فتحت «برستو» عينيها بطريقة جعلتها تدرك انها قد فازت من فورها بالمأمول. وندت منها صيحة فرح مفاجئ .. كانت «برستو» محمولة بعدها على ايدي الحاضرين. وكان العطر الرضوي المسعد يملأ كل ذرات الهواء، ممتزجاً بالصوات على محمد وآل محمد عليهم السلام.
اللهم بلى، امن من لجأ الى اولياءك صدقاً و تسليماً.
بقي ان نقول بان المريض المعافى في هذه الواقعة هي الطفلة برستو محمدي وكان عمرها وقت الشفاء ثمانية اشهر، وتاريخ ولادتها هو سنة ۱۹۸۰، وهي من اهالي مدينة جرجان الايرانية ووالدها يعمل خبازاً فيها، والمرض الذي اصابها واصاب من قبل اخيها هو داء التعفن الشديد في الاذن والحنجرة وقد نقلت قصة شفاءها مجلة «حرم» في عددها الرابع والثمانين.
مسك ختام هذا اللقاء هذه الصلوات على الامام الرضا من الصلوات على المعصومين الاربعة عشر المروية عن الامام العسكري عليه السلام:
اللهم صل على علي بن موسى الذي ارتضيته ورضيت به من شئت من خلقك اللهم وكما جعلته حجة على خلقك وقائماً بامرك وناصراً لدينك وشاهداً على عبادك، وكما نصح لهم في السر والعلانية، ودعا الى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة، فصل عليه افضل ما صليت على احد من اولياءك وخيرتك من خلقك انك جواد كريم.
*******