البث المباشر

نافذة بيت الكريم

الثلاثاء 8 يناير 2019 - 11:32 بتوقيت طهران

الحلقة 2

السلام عليكم اعزاءنا ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم مع رواية اخرى من روايات الفائزين بالشفاء ببركة التوسل بالامام الرضا عليه السلام ورواية هذه الحلقة ترتبط بأخت مؤمنة حظيت بهذه الكرامة، عنوان قصتها هو: نافذة بيت الكريم.. والاخت المعافاة هي السيدة صديقة ظهوريان من مجاوري مشهد الرضا وقد اصيبت في المرة الاولى بالشلل وفي الثانية بالعمى وعوفيت من العمى في كانون الثاني سنة ۱۹۸۹ ومن الشلل قبل ذلك بعام.
نشرت اصل القصة مجلة زائر الصادرة بالفارسية في ايران في عددها الثالث والعشرين في كانون الثاني عام ۱۹۹٥ نستمع معاً فيا يلي لهذه الصياغة الوجدانية للقصة:
ما كان يخطر على بالي يوماً ان سعادتي وحياتي مرتبطة بنافذة نافذة كثيراً ما كنت اراها دون ان اوليها هذا الاهتمام.
من ذا يصدق ان نافذة في جدار قادرة على ان تمنح كل هذه الرافة وكل هذا الحنان؟ انها نافذة الحاجات المصيرية الكثيرة المتنوعة، والطلبات التي ليس لها حدود.
كل نقطة في هذه النافذة تعقد عليها الاف الآمال انا ايضاً وجدت آمالي معقودة بهذه النافذة التي كأنها ليست على الارض، وجئت اليها انتظر لحظة تفتح فيها، وتمتد الي منها يد قدسية تهبني الشفاء والهناء.
واتساءل مع نفسي عن السر الكامن وراء هذه النافذة فولاذ مشبك يطل من باحة الصحن العتيق على الروضة الزاهرة بالانوار والذين يقصدونه ويفترشون الارض امامه.. لا تكف عيون قلوبهم من التطلع الى ما وراءه برجاء ولا تنقطع السنتهم عن المناجاة والطلب والتضرع.
انا ما جئت الى هنا الا لالقي خلاصاً عند نافذته كما لقيت غيري كثيرات اعرف انه يقدر اعطاه الله من قدرته وملأ قلبه بالعطف والحنان ليس لي عمل صالح استشفع به، جئت طامعة بكرم الكريم وهذا بالنسبة الى اهم من كل شي.
وها انا ذي مقتعدة الارض امام نافذته انسانة اضناها المرض، وخذلتها قدرة الاطباء تأخذني حالة من الاعياء وتشتد بي الآلام تعبت والله تعبت لم اعد اطيق. شيء يقبض على حنجرتي بقسوة ويعاودني الاحساس باني زائدة واضافية في هذا العالم، ليس لي فيه من مكان. الى متى هذا العذاب والارهاق الى متى هذا الالم والاستغاثات اسمع على وهن صوت حفيف اجنحة صوت بكاء، وابتهال، وزفرات حاجات انسانية صادرة من الاعماق انا ايضاً اعماقي تصيح بصوت غير مسموع استغيث كالغريق كطفل ضائع تتناهبه المخاوف اشعر بحرارة بدني تزداد قطعة مشلولة محترقة مطروحة على الارض اما لهذا العذاب من نهاية يا مولاي؟!
كان قد حدث ما حدث على غير انتظار من ذا يصدق ان عيشتي الرخية الناعمة من هادي الطيب القلب وطفلي الصغيرين تنقلب فجأة وينتهي كل شيء؟! لم تدم رفاهيتنا بعد الزواج اكثر من ثلاث سنوات قطعتها نوبات اغماء اخذت تعتريني وازدادت النوبات وتكررت حالات الاغماء لا ادري ما الذي كان يحدث لي لكني كنت احس بعد كل نوبة ان شيئاً يتفسخ في داخلي واوي يوماً بعد يوم وادركت اني مصابة بداء يعذبني ولا يريد ان يتركني تكررت المراجعات الطبية، وعاودنا التحليل المختبري مرات ومرات وتراءى لي بعد هذه المراجعات شبح مفزع رهيب ايمكن لهذا ان يكون؟ اواقع ما فهمته اني مصابة بالشلل؟ كيف؟ هل يمكن؟!
كان هادي بعد كل مراجعة طبية يصطنع امامي الابتسام ليوحي الي ان لا شيء مهماً في الامر لكن نظرات امي وابي كانت ترمقني فاقرأ في عيونهما التأسف والحزن المكتوم لم اعد اطيق اريد الفرار لكن اين افر؟!
شد انتباهي وانا انظر الى ماوراء النافذة ما يتلالأ من الاروقة والجدران المكسوة بزخار المرايا انكسر قلبي فبكيت انا جئت في هذا اليوم من شهر شعبان قاصدة البيت الذي لا يرد راجياً رجاه، كيف اعود منه كما اتيت؟ تحول بكائي الى نحيب، وشممت في نحيبي عطراً لافتاً لم يمنعني البكاء ان اتبينه: عطر تفاح تفاح احمر طري قد سقط تواً من غصن شجرة وفاجأني صوت صوت شيء يتكسر ويتهاوى على الارض.. فجلست منحنية كسجود الصلاة عطر التفاح يعبق في كل الارجاء وثم ضباب كثيف، غبار.. كمرايا صدئة ويملأني احساس بحضور حضور شاخص متميز تسري في بدني قشعريرة هي اقرب الى الخشوع عينان وسيعتان نافذتان.. جمال ذو شال اخضر.. نظرات محيية كأنها سر الربيع.. ويهيمن علي حياء، فاغض الطرف.
ما يزال عبير التفاح الاحمر يدنو ويزداد اقتراباً ويزداد الحضور تألقاً قدم لي بيده ماء في كأس من الفخار انحنيت خلال نحيبي وبمشقة لامست شفتي حافة الكأس استطعت انارتشف منه رشفة واحدة فقط قطرات دمعي التي تعتصر من قلبي تهوي على قدميه صحت: لا اقدر لا اقدر!
تقدرين تقدرين امش.
تحاملت وبدأت اقوم على مهل قلبي وانا واقفة يخفق كانجنحة الحمام انا نفسي صرت حمامة طليقة في سماء حرمه.. ورحت امشي على هون اليه الساعة تدق سبع دقات اما هو.. فقد انصرف، وظليت اعاينه على امل الوصول اليه.
عطر التفاح يفوح عابقاً في كل مكان. ويموج في داخلي احساس خاص احساس متشح بالغموض غزالة مرحة تجري متواثبة في سهل اخضر واسع بعيد.
خلال ايام العافية التي من علي بها الامام .. ولدت "ابنتي سارة"، وكأنما هي تعويض عن عذابات ايامي الذاهبات.
وكنت في قلب المسرات لما امتحنت مرة ثانية امتحاناً صعباً سبحانك يا الله، ما اخفى حكمتك زحفت الي هذه المرة غيوم سود حالكة السواد وتجمعت مستقرة في عيني ليل دائم لا ينجلي عن نهار حتى صغيرتي سارة لا اراها الا بلمس اليدين.
مرّ عام على اليوم الذي فزت فيه برؤية عينيه النافذتين، اليوم الذي عدوت فيه كغزالة تتواثب، اليوم الذي ارتبطت فيه كل سعادتي وحياتي بنافذة من الفولاذ.
هو ذا شهر، بكل ساعاته وايامه ولياليه تذوقت فيه وحشة الظلام المطل .. دون ان يبشر العلاج أي بشارة لقد صرت عمياء تماماً.. عمياء منطفئة العينين تضاعف اضطرابي هذه المرة واشتدت مخاوفي من المستقبل المجهول قلب مضطرم وعينان قد غشاهما الظلام. الارض تهتز تحت قدمي ولا مأوى لي في كل الارض. وللمرة الثانية .. الجأ ومعي اسرتي اليه .. الى النافذة التي قد غدت مرتهنة بها حياتي يضيق صدري واشتاق الى رؤية الفضاء النافذة المنارات والمرايا اسندت رأسي الى ركبتي بكيت لعيني لشبابي لسارة واطفالي الصغار. اترى ستفتح لي هذه الدموع التي اسكبها مجدداً نافذة بيت الكريم؟! قلبي تتقاذفه عاصفة من الافكار والهواجس والآمال استبدت بي العاصفة وطوحتني حتى اعييت وضعفت عن التفكير انسانة بالية مطروحة تحلم بالعافية تحت نافة الكريم.
بكيت بكاء عالياً وهلت عن كل شيء اهذا صوت يتناهى الى اذني واه ما هذا الصوت؟ صوت من؟ ارتجف قلبي ومرة اخرى .. كأن شيئاً يتكسر ويهوي متناثراً على الارض رفعت رأسي الى النافذة ومددت باتجاهها كفي مبسوطتين لم ار احداً لكني احسست اناحداً ينظر الي.ومرة اخرى .. يتهادى عبير التفاح بكيت وصحت: لقد تعبت يا مولاي! وبنبرة حازمة دعاني اليه رأيته! ايضاً: تلك المرايا الصدئة انزاحت الى جانب ومجدداً لكم النور الغريب فجأة انفتحت كوة مضيئة الى داخل سجن آمالي الغارق في الظلام وتدفق علي ضوء سخي كالشمس وناغى سمعي صوت شبيه بحفيف اجنحة الحمائم عيوني تذرف الدمع، وثمة مئات من الحمائم تشاركني البكاء.
تطلعت حولي وقعت عيني على سارة والذين كانوا برفقتي وجوههم متهللة بالدموع ها انا ذي افوز بحضور قدسي اخر، وعند النافذة الفولاذية نفسها! وكانت روحي تستحم بضياء شمس سخية ستظل ساطعة الى الابد.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة