ونشأت أم البنين ( عليها السلام ) بين أبوينِ شريفين عُرِفا بالأدب والعقل ، وقد حَبَاهَا الله سبحانه وتعالى بجميل ألطافه ، إذ وهبها نفساً حرةً عفيفةً طاهرة ، وقلباً زكياً سليماً ، ورزقها الفطنة والعقل الرشيد .
أهلُها من سادات العرب ، وأشرافهم وزعمائهم وأبطالِهم المشهورين ، وأبوها أبو المحل ، واسمُه : حزام بن خَالد بن ربيعة .
أم البنين ( عليها السلام ) من النساءِ الفاضلاتِ ، العارفات بحق أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وكانت فصيحة ، بليغةً ، ورعة ، ذات زهدٍ وتقىً وعبادة ، ولجلالتها زارتها زينبُ الكبرى ( عليها السلام ) بعد منصرفها مِن واقعة الطف ، كما كانت تزورها أيام العيد.
وذكر بعض أصحاب السير أن شفقتها على أولاد الزهراء (ع) وعنايتها بهم كانت أكثر من شفقتها وعنايتها بأولادها الأربعة - العباس وأخوته - ( عليهم السلام ) ، بل هي التي دفعتهم لنصرة إمامهم وأخيهم أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) ، والتضحية دونه والاستشهاد بين يديه.
وبعد عمرٍ طاهر قضته أم البنين ( عليها السلام ) بين عبادةٍ لله جل وعلا وأحزانٍ طويلةٍ على فقد أولياء الله سبحانه ، وفجائع مذهلة بشهادة أربعة أولادٍ لها في ساعةٍ واحدة مع حبيب الله الحسين (ع) وكذلك بعد شهادة زوجها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في محرابه وبعد ذلك كله وخدمتها لسيد الأوصياء ( عليه السلام ) وولديه الإمامين ( عليهما السلام ) سبطَي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيدي شباب أهل الجنة ، وخدمتها لعقيلة بني هاشم زينب الكبرى ( عليها السلام ) أقبل الأجَلُ الذي لابُدَّ منه ، وحان موعدُ الحِمام النازل على ابن آدم .
فكانتْ وفاتُها المؤلمة في الثالث عشر مِن جمادى الآخرة سنة ( 64 هـ).
فسلامٌ على تلك المرأة النجيبة الطاهرة ، الوفيّة المخلصة ، التي واست الزهراء ( عليها السلام ) في فاجعتها بالحسين ( عليه السلام ) ، ونابت عنها في إقامة المآتم عليه ، فهنيئاً لها ولكل من اقتدت بها من المؤمنات الصالحات .