فبعد وفاة رسول الله (ص) مباشرة بدأت تظهر هذه النزعة المنحرفة، كما حصل في قصة خالد ومالك بن نويرة. حيث إن خالد بن الوليد إدعى أن مالك بن نويرة إرتد و كفر، فأنكر مالكٌ ذلك، وقال: (أنا على الإسلام ما غيرتُ ولا بدلتُ) وشهد له بذلك أبو قتادة وعبد الله بن عمر ،فقدمه خالد وأمر بضرب عنقه،بل وقبض خالد إمرأته فنكحها بالقوة!!!، فقال الخليفة عمر بن الخطاب لأبي بكر: (إن خالد قد زنى فإرجمه)، فرفض أبوبكر، فقال له عمر بن الخطاب: (فإن خالداً قد قتل مسلما فاقتله)، فرفض ابوبكر فقال الخليفةعمر: (فاعزله)، فرفض ابوبكر (النهاية 4/521)، فلما دخل خالد المسجد قام إليه عمر بن الخطاب وقال له: ( أَ رياءً قتلتَ امرءاً مسلماًً، ثم نزوتَ على إمرأته، والله لأرجمنّك بالجنادل) و خالد لا يكلمه، حتى دخل خالد على أبي بكر فاعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه، واستمر أبوبكر بخالد على الإمرة رغم قتله مالكاً ونكاحه فوراً لأرملته واعتبر الخليفة ان خالداً تأوّلَ فأخطأ!
بيد إننا رأينا كيف أن رسول الله (ص) لما بعث خالداً إلى أبي جذيمة فقتل أولئك الأسارى فوداهم(دفع دياتهم) رسول الله (ص) و رفع يديه نحو السماء وقال ص: (اللهم إني أبرأ إليك مماصنع خالد).
وبعد ذلك استمر التكفيريون يذبحون المسلمين و يتجرؤون على انتهاك الحرمات، فظهر الخوارج و سفكوا من دماء المسلمين انهاراً إذ كفّروا الإمام علي بن ابي طالب ع و كل المسلمين. ثم جاء يزيد إلى السلطة بقوة السيوف ولم يبايعه الإمام الحسين سبط النبي ص وبعض الصحابة فادعى يزيد كفر الإمام الحسين ع [ و هو سيد شباب أهل الجنة بنص الحديث النبوي المجمَع عليه] و أمر بقتله!!
واستمر النهج التكفيري حتى ظهور ابن تيمية و محمد بن عبد الوهاب و ظهرت فتاوى التكفير و قطع رؤوس المسلمين في نجد و الحجاز و الاحساء ثم التوجه للاعتداء على كربلاء و النجف الاشرف ونهب العتبات المقدسة. و كان ذلك منطلقاً للنهج التكفيري الوهابي.
ولا ننسى أن نشير إلى ظهور تنظيم (التكفير والهجرة) الذي نشأ في السجون المصرية على نهج الخوارج في العام 1971م، حيث تولى قيادته و صياغة أفكاره شكري مصطفى، (من مواليد يونيو 1942م) الذي اعتقل عام 1965م، و أدخِل السجن بتهمة انتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين، وفي السجن تولدت أفكاره ونمت، واعتبر نفسه مصلحاً، وبايعه أتباعه [أميراً للمؤمنين!!]، وقائداً لجماعة المسلمين.
وأطلقت الجماعة على تنظيمها «التكفير و الهجرة»، و انتهجت نهج الخوارج في التكفير، حيث أحيت الجماعة فكر الخوارج بتكفير كل من ارتكب ذنباً و أصر عليه و تكفير الحكام على الإطلاق بل و تكفير المحكومين لرضاهم بهم، و تكفير العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام، كما أن «الهجرة» هي العنصر الثاني في فكر الجماعة التكفيري، و يقصدون بها اعتزال المجتمع و ترك "معابد الجاهلية" أي "المساجد" !!!!
إذن؛ لا ينبغي ان نظن أن الغزو السوفييتي لأفغانستان كان هو السبب في ظهور سرطان الجماعات التكفيرية ابتداء من "العرب الأفغان" مرورا ب"القاعدة" ثم عصابات الزرقاوي في العراق و قاطعو الرؤوس في الجزائر و تونس و المغرب و مجاهدوا [منافقوا] خلق في إيران و لاحقاً داعش في السعودية ثم سوريا ومنهما الى العراق (الموصل و الانبار) بدعم تركيا وال سعود عبر حدود سوريا و جنوب تركيا ، ثم عصابات "بوكو حرام" القتلة لمحبي أهل البيت ع ومعزّي المواكب الحسينية في نيجيريا ، ثم ما يسمى ب"جيش أبين" في جنوبي اليمن.
وسنبيّن - في مقال لاحق - الأضرار الفادحة الناجمة عن هذا النهج السرطاني التكفيري و التنظيمات الإرهابية، على الصعد الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية في الشرق الأوسط وتسبُّبها في ظاهرة (الاسلاموفيا) في أوروبا و أمريكا و بقية بلدان العالم.
بقلم/الدكتور رعد هادي جبارة