ذكر السيد ابن طاووس في الاقبال والكفعمي في البلد الأمين والمجلسي في البحار وغيرهم انه: روى بشر وبشير ابنا غالب الأسدي قالا: كنا مع الحسين بن علي (عليهما السلام) عشية عرفة فخرج (عليه السلام) من فسطاطه متذللاً خاشعاً، فجعل يمشي هوناً هوناً حتى وقف هو وجماعة من اهل بيته وولده ومواليه في مسيرة الجبل مستقبلاً البيت، ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين ثم قال: الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صنع صانع، وهو الجواد الواسع، فطر اجناس البدائع واتقن بحكمته الصنائع، لا تخفى عليه الطلائع، ولا تضيع عنده الودائع (۱) جازي كل صانع ورائش كل قانع وراحم كل ضارع، منزل المنافع والكتاب الجامع بالنور الساطع وهو للدعوات سامع وللكربات دافع وللدرجات رافع وللجبابرة قامع فلا اله غيره ولا شيء يعدله و «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» اللطيف الخبير وهو على كل شيء قدير.
اللهم اني ارغب اليك واشهد بالربوبية لك، مقر بانك ربي و [ان] اليك مردي، ابتدأتني بنعمتك قبل ان اكون شيئاً مذكوراً [و] خلقتني من التراب ثم اسكنتني الاصلاب آمناً لريب المنون واختلاف الدهور والسنين فلم ازل ظاعناً من صلب الى رحم في تقادم من الايام الماضية والقرون الخالية لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي [بي] واحسانك الي في دولة ائمة الكفر الذين تقضوا عهدك وكذبوا رسلك.
لكنك اخرجتني [رأفة منك وتحنناً علي] للذي سبق لي من الهدى الذي له يسرتني وفيه انشأتني ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك وسوابغ نعمك فابتدعت خلقي من مني يمنى واسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم ودم وجلد لم تشهدني خلقي [لم تشهرني بخلقي] ولم تجعل الي شيئاً من امري ثم أخرجتني للذي سبق لي من الهدى الى الدنيا تاماً سوياً وحفظتني في المهد طفلاً صبياً ورزقتني من الغذاء لبناً مرياً وعطفت علي قلوب الحواضن، وكفلتني الامهات الرواحم [الرحائم] وكلأتني من طوارق الجان وسلمتني من الزيادة والنقصان فتعاليت يا رحيم يا رحمان.
حتى اذا استهللت ناطقاً بالكلام، واتممت علي سوابغ الانعام، وربيتني زائداً في كل عام، حتى اذا اكتملت فطرتي واعتدلت مرتي (۲) [سريرتي] اوجبت علي حجتك بان الهمتني معرفتك، وروعتني بعجائب حكمتك [فطرتك] وايقظتني لما ذرأت في سمائك وارضك من بدائع خلقك.
(۱) أتى بالكتاب الجامع، وبشرع الاسلام النور الساطع، وللخليفة صانع، وهو المستعان على الفجائع (نسخة بدل).
(۲) المرة: بكسر الميم: قوة الخلق وشدته، اصالة العقل.