مستمعينا الأفاضل، تحدثت كثير من وسائل الإعلام عن قصة اهتداء الأخ فيصل الدويسان لإعتناق مذهب أهل بيت النبوة المحمدية – عليهم السلام – وتوصله لذلك عبر رحلة تحقيق علمي طويلة بدأت منذ عام ۱۹۷۹ ميلادية واستمرت لسنة ۱۹۹٦ وكان لشدة تأثره بمظلومية الصديقة الكبري فاطمة الزهراء سلام الله عليها كبير الأثر في اختياره لمذهب الحق ؛ وكانت له مناظرات ومقابلات واحتجاجات مؤثرة في هذا المجال.
وهنا نقتصر علي نقل ما كتبه بشأن الهداية الحسينية ونشر علي عدة من المواقع الإلكترونية الإسلامية منها (منتديات غرفة الغدير) وذلك بتأريخ ۱۳/۱/۲۰۰۹، قال الأخ فيصل الدويسان: في عام ۱۹۹۱ ذهبت لزيارة القاهرة بقصد الدراسة وقررت بمجرد وصولي أن أزور سيدنا الحسين كما يفعل أبناء مصر الذين تقضي لهم الحاجات في ذلك المشهد الشريف، فدخلت تحت قبته المباركة فإذا أنا برجل فارع الطول يرتدي لباس أهل الصعيد يمسك بالحاجز الحديدي للمقام ويصرخ بكل داخله: (دا سيدنا الحسين ولولاه ما كانش فيه اسلام) فاستنكرت كلامه حينئذ وقلت في نفسي: ما هذا الغلو؟ الإسلام باق سواء بالحسين أو بدونه، وبقي وجه هذا الرجل وكلامه قرابة ۱۷ سنة في ذهني لا يغيب أبدا..
حاولت أن أفهم المقصود... قد يكون الرجل صادقا.. قد يكون كاذبا.. قد يكون مخبولا، لكن ما الذي يجعله بكل قوة وثقة يصيح في وجه الناس بأن الإسلام هو الحسين والحسين هو الإسلام ؟ كنت أتساءل علي مدي سنوات هل ما يقوله هذا الشخص – الذي لم تمح صورته الأيام من بالي – هو الحق ؟ وأن الحسين هو الذي أبقي لنا الإسلام باستشهاده؟ وأي إسلام سيبقي لنا لو لم يقم الحسين بثورته في وجه الظلم؟
أعزائنا المستمعين، لقد أسمع الله عزوجل هذا الأخ الكويتي كلام ذلك الرجل، لكي يثير قلبه وعقله للتأمل والتدبر في الملحمة الحسينية وأهدافها وبالتالي لكي يتعرف منها علي الحقيقة التي سعي قتلة الحسين – عليه السلام – وأشياعه لإخفائها.. يقول الأخ فيصل الدويسان متابعا قصته: بعد البحث والدراسة والإستقصاء للتأكد من كلام هذا اللائذ بقبر رأس الحسين في القاهرة وصلت إلي حقيقة مفادها: أن الإسلام قد صار إسلامين منذ زمن الحسين.. إسلام أهل البيت، وإسلام السلطة السياسية.
فالحسين كان يقدم الأدلة العقلية والنقلية في وجه الجيش الممثل للدولة علي أحقية نهضته.. والسلطة السياسية ممثلة بالخليفة معاوية الذي أصدر أمره بولاية عهده لابنه يزيد وأيده الوزراء والأمراء وعلماء الدين التابعون للدولة قدموا كذلك أدلة عقلية ونقلية يبررون مواقفهم تجاه تطويق سبط رسول الله وآل بيته وأصحابه وأطفالهم لمخالفتهم أمر الخليفة السابق معاوية واللاحق يزيد، ففي الواقع معاوية ويزيد هما من يخلفان رسول الله صلي الله عليه وآله وليس حفيده الحسين.
فهما يمثلان الشرعية والحسين خارج عن طاعتهما..
لذا يأمر قائد جيش السلطة عمرو بن سعد بن أبي وقاص جنده بالركوب لقتال آخر ابن بنت نبي علي وجه الأرض بقوله: يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري، لم يفت علماء السلطة بأن الخارج علي الخليفة يجب أن يقتل كائنا من كان، وأن الأحاديث النبوية الشريفة تأمر بذلك وبعبارة واضحة «كائنا من كان» يعني حتي لو كان الحسين.. وأن الخليفة الشرعي برأي الأمة هو معاوية بن أبي سفيان قد أوصي لابنه يزيد من بعده. فلماذا يعترض الحسين سيد شباب أهل الجنة علي معاوية وعلي يزيد اللذين بايعهما الصحابة والتابعون؟ لماذا شذ الحسين عن الجميع ومعه أيضا بعض الصحابة والتابعين؟
ونلاحظ هنا مستمعينا الأفاضل أن الكاتب الكويتي الأخ الدويسان بدأ يفكر في الأمر استنادا إلي خلفيته الثقافية التي شكلتها نصوص وتصورات إسلامية عامة بعضها ناتج عن مسلمات مذاهب الجمهور ومنها انطلق في رحلته لمعرفة الحق وأهله، يتابع الأخ فيصل كلامه قائلا: بلغ بي المنطق العقلي إلي حصر المسألة إلي أربع احتمالات: الأول أن يكون الحسين علي حق وأن يكون معاوية وابنه يزيد علي باطل وهذا يستلزم بطلان قرار الخليفة معاوية وبطلان حكم يزيد بل وكل الخلفاء بعدهما الذين أخذوا الخلافة غصبا ووراثة دون شوري، ألم يقرر مؤتمر السقيفة أن تكون الخلافة شوري، فما حدا مما بدا!! بدأت ثورة الحسين منذ اعتراضه علي مبدأ يزيد في المدينة المنورة وأن يزيدا غير كفؤ لقيادة الدولة، وليست كما يصور بعضهم أنها جاءت استجابة لإغراء رسائل أهل الكوفة، ثم أين ذهب اتفاق صلح الحسن مع معاوية بأن تؤول الخلافة بعد معاوية إلي الحسن وإلي أخيه الحسين.)
أيها الأكارم إذن فحتي المسلمات التاريخية لمذاهب الجمهور تقرر بأن الحق مع الحسين وأن بيعة يزيد غير شرعية مخالفة للعهود ولما سار عليه الجمهور ؛ نرافق الأخ فيصل الدويسان وهو يواصل تأملاته قائلا: (والإحتمال الثاني أن يكون الحسين علي باطل وأن يكون معاوية وابنه يزيد علي حق.
وهذا مما لا يستقر في قلب مؤمن موحد ولم يقل بهذا إلا قلة من الأمة هم النواصب المعادون لأهل البيت حتي يومنا هذا، ولقد سمعت تسجيلا صوتيا لمواطن خليجي يذكر أنه لو كان مكان شمر بن ذي الجوشن لفعل ذات الأمر ولقتل الحسين بيديه تطبيقا للحديث النبوي «من أتاكم وأمركم جميعا يريد أن يشق عصا له ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائنا من كان» رواه مسلم، فقتل الحسين جاء تطبيقا للحديث الصحيح وكما ذكر القاضي أبوبكر بن العربي المالكي في كتابه الذي سماه العواصم من القواصم أن الحسين لم يقتل إلا بسيف جده. وأذكر أن هذا الكتاب قد أوصاني أصدقائي من السلفيين بقراءته عام ۱۹۸۲ م فقرأته فأيقنت أن مؤلفه لم يذق طعم الإيمان قط لذا فإني أتمني أن يتبرأ السلفيون منه حتي لا يتهمهم أحد بأنهم نواصب)
أيها الإخوة والأخوات، هذا القول الذي يتبناه إلي اليوم متعصبي الوهابية هو أوضح تجسيد للنزعة الجاهلية الأموية التي سعت لتغطية عدائها القلبي للنبي الهاشمي – صلي الله عليه وآله – بغطاء شرعي مزيف لا يمكن أن يرتضيه من ذاق قطرة من طعم الإيمان المنزه عن التعصبات، يتابع الأخ فيصل كلامه وهو يتأمل في الرأي الواهي الآخر قائلا: أما الإحتمال الثالث فهو أن يكون الحسين علي حق وأن يكون معاوية وابنه يزيد علي حق.. وكلهم مجتهدون فقد رجع الخليفة معاوية عن وعده للحسن لأنه اجتهد ورأي أن ابنه أفضل من الحسين للخلافة وتوقع أنه علي يد ابنه يزيد سيزيد الخير وستهدأ الفتن لكن الأمة بكت الحسين وبكت واقعة الحرة وبكت قصف الكعبة بالمنجنيق بسبب اجتهاده، ولكن لم يخبرنا القرآن عن جبهتين من قبلنا في الأمم السابقة تواجهتا بالسيف وكلتاهما حق.)
إذن مستمعينا الأفاضل فالمنطق القرآني يرفض هذا القول التلفيقي الذي سعي كثيرون لترويجه وكفي بكتاب الله كلمة الفصل، نبقي مع الأخ الدويسان وهو يبين بطلان آخر الأقوال المحتملة بقوله: والإحتمال الرابع: أن يكون الحسين علي باطل وأن يكون معاوية وابنه يزيد علي باطل.
ولا يتحقق ذلك إلا إذا كان كلتا الجبهتين طامعة في الدنيا لا الآخرة.. فأما الحسين فيكفينا في بيان أنه هو الإسلام هو ما جاء في صحيح الترمذي: قال رسول الله صلي الله عليه (وآله) وسلم: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط. والراوي هنا يعلي بن مرة وهو صحيح الحديث كما قال الألباني والمصدر: صحيح الجامع، وقد قال تعالي: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً"(سورة النساء الآية ۱٦۳) وقال: "وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى"(سورة البقرة الآية۱۳٦).
وتأمل قوله تعالي " وَأَوْحَيْنَا..." و"وَمَا أُنزِلَ..." لنتيقن أن الأسباط هم الأنبياء من ولد يعقوب الذين كانوا في قبائل بني إسرائيل الإثنتي عشرة حسب التفسير الميسر الذي أصدره مجمع الملك الفهد لطباعة المصحف الشريف، فإذا كان النبي صلي الله عليه وآله يعتبر الحسين سبطا من الأسباط أي نبيا من أنبياء بني إسرائيل الذين جاهدوا في الله وقتلهم بنو إسرائيل رفضا للحق فضلا عن نسب نفس النبي الشريفة إليه بقوله وأنا من حسين.. فقد وصلت إلي حقيقة ساطعة وهي أن اصطحاب الحسين عليه السلام لأولاده ونسائه ورجال أهل بيته وأصحابه القليلين ليستشهد علي أرض كربلاء كان لإرشاد الناس إلي الإسلام المحمدي الأصيل)
ويختم الإعلامي والكاتب الكويتي الأخ فيصل الدويسان، قصته بتثبيت النتيجة التالية وهو يرد علي أحد الوهابية الذي رمز لنفسه باسم (أبي الثوابت) وقد انتقد أتباع مدرسة أهل البيت – عليهم السلام – لبكائهم علي الحسين – عليه السلام –، قال: (عبر التدبر في الإحتمالات الأربعة السابقة أيقنت أن قول هذا الشخص من أبناء الصعيد البسيط أصدق من قول علماء السلطة وأذكي من أبو الثوابت الذي يضيق ذرعا عندما نبكي السبط.. سبط آخر بنت نبي في الدنيا كلها، ولأن دا سيدنا الحسين ولولاه ما كانش فيه إسلام)
وبهذا ننهي أيها الأطائب حلقةاليوم من برنامج (بالحسين اهتديت) استمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران شكرا لكم وفي أمان الله.