هو الركود الاقتصادي الأسوأ في الولايات المتحدة، ومعدلات البطالة في أعلى مستوياتها. انكماش لم تشهده منذ خمسينيات القرن الماضي مع انعدام الاستثمارات والتنمية وتهديد المداخيل.
في الأثناء، تتجه أنظار واشنطن المتوجسة إلى القدرات العسكرية الاستراتيجية للصين وروسيا، وهو ما أكده قائد القيادة الاستراتيجية الأميركية الأدميرال تشارلز ريتشارد، بقوله إن بلاده "تواجه للمرة الأولى بلدين يضاهيانها في القدرة العسكرية".
توجس واشنطن من قوى خارجية يترافق مع وضع مرتبك في الداخل، تعكسه بوضوح مواقف ترامب المتناقضة. فهو خلال ساعات طرح إمكانية تأجيل الانتخابات ثم تراجع عنه بعدما اتهم بالديكتاتورية وبانتهاك شائن للديمقراطية.
الانكماش في الاقتصاد العالمي ينذر بالعودة إلى مرحلة الكساد العظيم بحسب توقعات الأبحاث والمؤسسات الدولية، لكن الدول الغربية لجأت حينها إلى الحرب العالمية، لحل تلك الأزمة فما هي خياراتها الممكنة اليوم؟
توقعات الباحثين والمؤسسات الدولية بانكماش غير مسبوق ربما لا يكشف أكثر من رأس الجليد لأزمة عالمية مستفحلة، لم تظهر جميع أبعادها ولم يتضح بعد قعر الانهيار الذي وصل إليه الاقتصاد العالمي.
المقاربة بين توقعات الانكماش وأزمة الكساد الكبرى بين الحربين، ربما تحمل في طياتها إمكانية المغامرة بحروب قد تدمر الحياة على كوكبنا وفق تجربة الكساد السابقة التي أدت إلى الحرب العالمية الطاحنة.
الدول الغربية لم تعد تتحكم بمصير الكون والعالم، ولم تعد أميركا القوة النووية الوحيدة التي تحسم الحرب لمصلحتها، ولا ريب أن توازن الرعب النووي في مواجهة أميركا والحلف الغربي قد يدفع إلى خيارات أخرى.
الحروب بالوكالة والحروب الملتوية التي تدربت عليها الدول الغربية للسيطرة على الثروات والموارد في دول الجنوب، قد تدغدغ أحلامها في المراهنة على تخفيف الانكماش الخانق.
لكن دول الجنوب التي غرقت بالتبعية في أشكال الحروب الإيديولوجية والنفسية، قد تحثها الحروب الصلبة على استعادة روحها ومعنوياتها، ولا سيما أن توازن الرعب النووي الدولي يشق لها الطريق، لا سيما وأن بعض الجنوب في إيران وفنزويلا وحركات الشعوب يضيء طريق التحرر.
ما يغذي هذه الطموحات تصاعد الحركات الاحتجاجية المناهضة للمنظومة في داخل أميركا والدول الغربية، ولا يبدو أن هذه الدول قادرة على حرق حركات المناهضة وقوداً للحرب، لكن ربما يتوافق عالم المناهضة والمقاومة في مواجهة منظومة التوحش، على أن الذين يهددون حياة الوجود يمكن الاستغناء عن وجودهم.
رغم كل الحروب التي خاضتها واشنطن، قائد القيادة الاستراتيجية الأميركية، الأدميرال تشارلز ريتشارد، يؤكد أن بلاده ستواجه معاً لأول مرة منافسين بالقدرات العسكرية الاستراتيجية والتقليدية الأميركية نفسها هما الصين وروسيا.
وقال: "سأتحدث من الناحية الاستراتيجية، يبدأ الأمر من توسع روسيا والصين الهائل على مستوى جميع الإمكانات العسكرية، توسع مذهل ودائماً ما يفوقنا سرعة"، مضيفاً أنه "باتت لدى الصين وروسيا نظم جديدة للقيادة والسيطرة وللإنذار، وباتت جهوزيتهما أفضل".
ويشدد الأدميرال الأميركي على ضرورة أن تعيد واشنطن التفكير في استراتيجيتها الدفاعية بالنظر إلى أنها قد تجد نفسها قريباً في مواجهة اثنين من المنافسين النوويين بالقدرات العسكرية الاستراتيجية والتقليدية نفسها، روسيا اللاعبة المتمرسة التي أمضت آخر 15 عاماً في تطوير كل عناصر قوتها، والصين التي نفذت بسرعة فائقة ما سماه "توسعاً مذهلاً" في قدراتها العسكرية.
خلال منتدى الردع النووي، يحرص تشارلز ريتشارد، على الظهور بمظهر الحازم تجاه إدارته، مؤكداً أن بكين بصدد بناء ثالوثها النووي على نحو كامل، وأن موسكو أنهت تحديث 70% من ترسانتها وقواتها.
لا يجادل أحد في أن تعاظم هاتين القوتين أثبت فشل سياسة واشنطن. هي فتحت معركة مع الصين على كل الجبهات الاقتصادية والعسكرية وحتى الصحية، وأرسلت أساطيلها إلى المحيط الهادئ وبحر الصين، وحاولت الضغط والابتزاز عبر أوراق انفصال تايوان وهونغ كونغ والذهاب باتجاه كوريا الشمالية.
ولا يحتاج المرء لكبير عناء ليدرك واقعاً مخالفاً لرهان الإدارة الأميركية بإخضاع إيران لدى الانسحاب من الاتفاق النووي، وبات من الواضح عدم جدوى هذا الأسلوب، ويجعل السؤال مباحاً بشأن إمكانية إخضاع الدول بالعقوبات.
إخفاق إدارة ترامب في معالجة الأزمات الداخلية، يرفع التحدي بوجهها على امتداد الولايات التي تشهد تظاهرات متواصلة منذ أشهر بالتوازي مع تحديات خارجية، ويصبح السؤال الأبرز هو حول الخيارات المتبقية أمام ترامب للبقاء في البيت الأبيض.
قد يلجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سيناريوهات في سعيه للبقاء في البيت الأبيض، منها محاولته المعلنة حول إمكانية تأجيلها التي أثارت جدلاً واسعاً.
صحيفة "واشنطن بوست" اعتبرت دعوة ترامب "انتهاكاً شائناً للديمقراطية يهدف لتقويض الثقة بنتائج الانتخابات ويشبه سلوك الديكتاتوريين".
مجلة "ذا أتلانتيك" أكدت أن ترامب لا يمكنه تأجيل الانتخابات قانونياً، لكن "الخطر في قدرته على تدمير شرعيتها"، واعتبرت أن تجاهله التام لسيادة القانون "يجعل من الصعب استبعاد أي شيء حتى تنفيذ انقلاب ما".
أما صحيفة "نيويورك تايمز" فوصفت محاولة ترامب تأجيل الانتخابات أنها غير دستورية، وأن على كل "جمهوري" في الكونغرس إخباره بذلك، وأن أي شخص يقول خلاف ذلك لا ينبغي أن ينتخب مرة أخرى.
فيما قالت صحيفة "بوليتيكو" إن دعوة ترامب تقوض اتهامات مستشاريه ومساعديه لمنافسه جو بايدن، بالترويج لنظرية المؤامرة، عقب حديثه عن نية ترامب الإقدام على خطوة تأجيل الانتخابات.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تراجع عن اقتراحه تأجيل الانتخابات، وقال إن انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر المقبل ستكون فوضى إذا جرى التصويت عبر البريد العادي.