لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها الدعاء الموسوم بـ (دعاء علقمة او صفوان) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يتوسل بالله تعالى بان يوفق قارئ الدعاء الى الالتزام او الانتماء اليه في كل اموره، وفي هذا الميدان يقول لا حول ولا قوة الا بالله مفوضاً امري الى الله ملجئاً ظهري الى الله تعالى، متوكلاً على الله ... هذا المقطع من الدعاء يحفل بنكات فائقة كما هو طابع الادعية جميعاً حيث تتضمن دلالات عميقة في نفس الوقت الذي يتخيل فيه قارئ الدعاء بساطة الدعاء وألفة معانيه... فمثلاً ان عبارة لا حول ولا قوة الا بالله او عبارة افوض امري الى الله، او اتوكل على الله تعالى، هذه العبارات مع سهولتها وألفتها ليست كما يتخيل قارئ الدعاء بل تتضمن الاخطار العميقة، فمثلاً ما هو الفارق بين التفويض وبين التوكل وما هو الفارق بين حول الله تعالى وقوته، ان هذه العبارات تتضمن اسراراً ودلالات من الدقة بمكان والمهم ملاحظة هذه الجوانب وهذا ما نبدأ به الآن ...
ونبدأ اولاً بملاحظة العبارة الاولى لا حول ولا قوة الا بالله، ان هذه العبارة تتسم باهمية كبيرة بلا ادنى شك فمثلاً بصفتك قارئاً للدعاء قد تغفل عن النكات التي تتمضنها هذه العبارة انك في التصور العابر تدرك بان العبارة تقول بان الفاعلية الكونية جميعاً بيد الله تعالى، ولكن لو سألك سائل فقال لماذا تعبر عن الفاعلية الالهية في الكون؟ مرة بانه لا قوة الا بالله تعالى واخرى بانه لا حول الا بالله تعالى؟ اي ما هو الفارق بين القوة وبين الحول؟ لذلك نجيب قائلين ان المصادر اللغوية تشير الى ان القوة هي مبدأ الفاعليات الكبيرة، واما الحول فهو القدرة عموماً وهذا يعني ان الكلمتين تشتركان في معنى هو الفاعلية ولكن الحول هو مطلق الفاعلية بينما القوة هي الفاعلية المقترنة بما هو ضخم من الفاعلية والنكتة هنا هي ان الله تعالى هو صاحب الفاعلية في الكون سواء أكانت الفاعلية بسيطة او ضخمة وبالنسبة الى قارئ الدعاء يستهدف النص الاشارة الى انه لا فاعلية في الكون الا لله تعالى، سواء أكان ما نقوم به من الافعال اموراً بسيطة او كانت شاقة ففي الحالين لا فاعلية لدينا الا من خلال الله تعالى فحسب اي ان العبد لا يملك لنفسه شيئاً.
ونتجه الى العبارة الثانية وهي التفويض الى الله تعالى، اي عبارة مفوضاً امري الى الله تعالى، فماذا نستلهم منها؟
التفويض هو التبصير في الامور الى الله بحيث يكون الحاكم فيه ... هنا نتوقع منك بان تتساءل عن الفارق بين عملية التفويض الى الله تعالى وبين العبارات الاخرى الواردة في نفس المقطع من الدعاء مثل عبارة ملجئاً ظهري الى الله تعالى، وعبارة متوكلاً على الله.
طبيعياً عندما نصل الى العبارة المتضمنة ظاهرة التوكل والعبارة المتضمنة ظاهرة لجوء الظهر الى الله تعالى فسوف نوضحهما ان شاء الله تعالى في حينه، ولكننا الآن في صدد ان نحدثك عن عبارة التفويض من خلال الاستشهاد بنموذج قرآني كريم، فما هو هذا النموذج؟
لو قدر لك ان تستحضر الى ذهنك شخصية مؤمن آل فرعون، وهو الشخصية التي كانت تكتم ايمانها في زمن فرعون لرأيت هذه الشخصية تنزع لباس الكتمان وتتجه الى مقارعة فرعون وقومه عندما رأت ان الامر يتطلب ذلك، وهو الدفاع عن موسى(ع) في مهمته النبوية آنذاك وقد الم اليهم بانه يدعو القوم الى الجنة ويدعونه الى النار، ثم اتجه الى الله تعالى في تحديد مصيره الى الله تعالى، عبر تهديدهم اياه، حيث نطق بعبارة وافوض امري الى الله تعالى، وهو معنى ذو دلالة خطيرة هي انه صير او جعل مصيره الى الله تعالى يتحكم فيه بما يشاء سواءاً كان استشهاداً في سبيله او نجاة من القوم.
اذن امكننا ان نتبين ـ ولو سريعاً ـ معنى العبارة المتضمنة موضوع التفويض الى الله تعالى سائلين الله تعالى ان يجعلنا كذلك في مطلق امورنا وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.