بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة على رسول الله وآله الكرام . السلام عليكم أحبة القران الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته معكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة ولتقديم شرح موجز للايات 26 -28 من سورة غافر المباركة .. نستمع فيما يلي إلى الاية 26 منها :
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴿٢٦﴾
تقدم الكلام في الحلقة الماضية عن مساعي النبي موسى لدعوة بني إسرائيل إلى الله تعالى والكف عن تعذيب الناس ليثير هذا الموقف الإصلاحي غضب فرعون ليدفعه إلى قتل موسى و لكن يبدو أنّ بعض مستشاري فرعون عارضوا قتل موسى، لخوفهم أن يطلب(ع) من ربّه نزول العذاب بساحتهم، لما كانوا يرون من معجزاته وأعماله غير العادية، إلاّ أنّ فرعون - بدافع من غروره - يصر على قتله مهما تكن النتائج.
لقد استدل فرعون على تصميمه في قتل موسى(ع) بدليلين، الأوّل ذو طابع ديني ومعنوي، والآخر ذو طابع دنيوي ومادي، فقال الأول، كما يحكي القرآن ذلك: (إنّي أخاف أن يبدّل دينكم).وفي الثّاني: (أو أن يظهر في الأرض الفساد).
بالطبع، لم يكن فرعون يقصد من الدين شيئاً سوى عبادته أو عبادة الأصنام، وهذا الأسلوب في استخدام لباس الدين واسمه وتبنّي شعاراته، يستهدف منه السلطان تحذير الناس وتجهيلهم من خلال إعطاء طابع الدين على مواقفه وكيانه وسلطته.
أمّا الفساد فهو من وجهة نظر فرعون يعني الثورة ضدّ استكبار فرعون من أجل تحرير عامّة العباد، ومحو آثار عبادة الأصنام، وإحياء معالم التوحيد، وتشييد الحياة على أساسها. إنّ استخدام لباس الدين ورفع شعاراته، وكذلك "التدليس" على المصلحين بالإتهامات، هما من الأساليب التي يعتمد هما الظلمة والطغاة في كلّ عصر ومصر، وعالمنا اليوم يموج بالأمثلة على ما نقول!
نتعلم من الاية دروسا كبيرة منها:
- إن منطق الحكومات المستبدة هو إزالة المعارض عن طريق تحقيق أهدافها إما بالقتل أو طريق آخر.
- يرفض الحكام المستبدون أي حركة إصلاحية في المجتمع لأنها تهدد سلطتهم و عروشهم.
- إذا كانت الحكومات المستبدة تشهد حالة من الثبات والاستقرار فذلك بسبب القمع وإسكات الأصوات المعارضة المطالبة بالحقوق المشروعة .
نستمع فيما يلي إلى تلاوة الاية 27 من سورة غافر :
وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ﴿٢٧﴾
الاية تشير إلى رد موسى(ع) والذي يبدو أنّه كان حاضر المجلس ..يقول القرآن في ذلك: (وقال موسى إنّي عذت بربي و ربكم من كلّ متكبر لا يؤمن بيوم الحساب). قال موسى(ع) هذا الكلام بكل حزم واطمئنان يستمدان جذورهما من إيمانه القوي واعتماده المطلق على الله تعالى، وأثبت بذلك بأنّه لا يهتز أو يخاف أمام التهديدات.ويستفاد من قول موسى(ع) أيضاً أنّ من تحل فيه صفتا "التكبر" و "عدم الإيمان بيوم الحساب" فهو إنسان خطر، علينا أن نستعيذ بالله من شرّه وكيده.
تعلمنا الاية :
- أولا أن نهاب من تهديدات الأعداء و نلجأ إلى الله تعالى . فلا قدرة تغلب القدرة الإلهية .
- إن التكبر صفة من صفات فرعون فكم من متكبر متفرعن ليس بفرعون .
- إن التكبر امام الحق يحول دون الإيمان به وبيوم الاخرة.
والان نستمع إلى تلاوة الاية 28 من سورة غافر:
وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّـهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴿٢٨﴾
تتحدث الاية حول قصة "مؤمن آل فرعون" الذي كان من المقربين إلى فرعون، ولكنّه اعتنق دعوة موسى التوحيدية من دون أن يفصح عن إيمانه الجديد، وإنّما تكتم عليه فعندما شاهد أنّ حياة موسى في خطر بسبب غضب فرعون، بادر بأسلوبه المؤثر للقضاء على هذا المخطط.وقال لهم: " فكروا جيداً، لا تقوموا بعمل عجول، تحسّبوا لعواقب الأُمور وإلاّ فالندم حليفكم.ثم إنّ للقضية جانبين: إما يكون موسى كاذبا فإنّ حبل الكذب قصير وسينفضح أمره في النهاية، وإذا كان صادقاً ومأُموراً من قبل السماء فإنّه سيحصل لكم ما وعدكم به من العذاب، شئتم أم أبيتم، لذا فإنّ قتله في كلا الحالين أمر بعيد عن المنطق و الصواب. وإذا كان موسى سائراً في طريق الكذب والتجاوز فسوف لن تشمله الهداية الإلهية، وإذا كنتم أنتم كذلك فستحرمون من هدايته.
الاية المباركة تشير إلى جواز التقية و كتمان العقيدة وذلك لمصلحة أكبر. كما انها تعلمنا بضرورة الاستدلال العقلي مع من نختلف معه في الفكر والعقيدة .
إلى هنا تنتهي هذه الحلقة من البرنامج نشكركم على حسن متابعتكم وإلى اللقاء .