بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين .. السلام عليكم مستمعينا الكرام ورحمة الله وبركاته .. نواصل الحديث في الايات 93 حتى 101 من سورة الصافات المباركة إبتداء بالانصات إلى تلاوة الايات 93 إلى 96 من هذه السورة المباركة:
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ﴿٩٣﴾
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴿٩٤﴾
قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴿٩٥﴾
وَاللَّـهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴿٩٦﴾
أشرنا في الحلقة الماضية إلى أن النبي إبراهيم (ع) كان يتحين الفرص لينبه المشركين عبدة الأصنام بضلالهم و انحرافهم عن مسير العبودية لله تعالى . فذات مرة تذرع بمرض و لم يشارك الناس مراسيم العيد التي كانت تجرى خارج المدينة فبقي فيها وحمل فأسا و دخل معبد الأصنام وانقضّ عليها بالضرب بكلّ ما لديه من قوّة إلى أن حطمها كلها إلا الصنم الكبير.
عاد عبدة الأصنام إلى مدينتهم، واتّجهوا فوراً إلى معبدهم، فشاهدوا مشهداً رهيباً وغامضاً، فقد رؤوا تلك الأصنام التي ظنوا أنها ملجأ وملاذ لهم أصبحت بلا محطمة .و فورها تذكّروا وجود شاب يعبد الله في مدينتهم إسمه إبراهيم، كان يستهزىء بأصنامهم، ويهدّد بأنّه أعدّ مخطّطاً خطيراً لأصنامهم.من هنا استدلّوا على أنّ إبراهيم هو الفاعل، فأقبلوا عليه جميعاً غاضبين. وهناك سألوه وطلبوا منه الجواب عن اليد التي نفّذت هذا الفعل في معبدهم، قال لهم إبراهيم) أتعبدون ما تنحتون). فهل هناك شخص عاقل يعبد شيئاً من صنع يديه؟ فالمعبود يجب أن يكون خالق الإنسان، هذا في حين أن الله هو الذي خلقكم وخلق ما تصنعونه من الأصنام .فوقف القوم مبهوتين غير قادرين على أن ينبسوا ببنت شفة.
تعلمنا الايات مواعظ منها:
- للقضاء على الانحراف ينبغي التخطيط والبرمجة والتنفيذ في الوقت المناسب
- لمواجهة حالات الانحراف إضافة إلى المواعظ فقد قام الانبياء بخطوات عملية أيضا.
والان ننصت إلى تلاوة الايتين 97 و 98 من سورة الصافات المباركة :
قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ﴿٩٧﴾
فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴿٩٨﴾
لإيقاف إنتشار منطق التوحيد بين أبناء مدينة بابل، عمد الطغاة إلى إستخدام منطق القوّة والنار ضدّ إبراهيم(ع)، المنطق الذي لا يفهمون سواه. فأجمعوا على أن بناء ضخم واشعلوا في وسطه النيران ثمّ رموه فيه . ولكن الله وضع كيدهم في أسفل السافلين، فيما رفع إبراهيم(ع)إلى أعلى علّيين، فكانت النار عليه برداً وسلاماً فخرج سالماً من تلك الجحيم .
نستلهم من الايات بعضا من المعاني :
- لا يبنى الكفر والشرك على منطق عقلي سليم أبدا.و لذا تجد الكفار يواجهون المؤمنين بالقوة وقول الزور .
- لا يهاب الانبياء المخاطر التي تعترض طريقهم نحو الاصلاح ومواجهة الفساد حتى وإن كان الإحراق بالنار.
- إن إرادة الله هي الغالبة على القوانين الطبيعية فإذا أراد الله تحولت النيران إلى حديقة ذات أزهار و خضار .
و الان نستمع معا إلى الايات 99 حتى 101 من سورة الصافات المباركة:
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴿٩٩﴾
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١٠٠﴾
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴿١٠١﴾
إبراهيم (ع) الذي نجا بإرادة إلهية من تلك الحادثة الرهيبة والمؤامرة الخطيرة ، صمّم على الهجرة إلى أرض بلاد الشام، إذ أنّ رسالته في بابل قد إنتهت، و تعكس الايات أوّل طلب لإبراهيم (ع) من الباري عزّوجلّ، إذ طلب الولد الصالح، الولد الذي يتمكّن من مواصلة خطّه الرسالي، ويتمم ما تبقّى من مسيرته، فاستجاب الله لدعاء عبده إبراهيم، ورزقه أولاداً صالحين إسماعيل وإسحاق.
و إلى بعض من تعاليم الايات:
- إن الهداة إلى الله لا يستعينون بأحد سوى الله.
- إذا سعى الرجل في طريق الله فله أن يعتمد و يثق برحمة الله وبركاته و عناياته.
- إن طلب أولاد صالحين من الله من دعاء الأنبياء (ع).
الأكارم انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة نلقاكم باذن الله في الحلقة القادمة والسلام عليكم.