بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة على رسول الله محمد و آله الأطهرين .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..و أهلا بكم ..نواصل حديثنا في سورة الصافات المباركة ونبدء بتقديم شرح مبسط حول الايات 62 حتى 68 من هذه السورة المباركة والبداية ننصت إلى تلاوة مرتلة 62 و63 من سورة الصافات المباركة:
أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ﴿٦٢﴾
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ﴿٦٣﴾
بعد توضيح النعم الكثيرة والخالدة التي يغدقها الله سبحانه وتعالى على أهل الجنّة،و التي أشرنا إليها في الحلقة الماضية تستعرض هذه الآيات العذاب الأليم والمثير للأحزان الذي أعدّه الله لأهل جهنّم، وتقارنه مع النعم المذكورة سابقاً، بحيث تترك أثراً عميقاً في النفوس يردعها عن ارتكاب الأعمال السيّئة والمحرّمة.
في البداية تقول: (أذلك خير نزلا أم شجرة الزقّوم). كلمة (نُزُل) تعني الشيء الذي يهيّأ لورود الضيف فيقدّم إليه إذا ورد . وأما لفظة (خير) ليست دليلا على أنّ شجرة الزقّوم شيء جيّد، والنعم التي أعدّها الله سبحانه وتعالى لأهل الجنّة أجود، إذ أنّ مثل هذه الألفاظ تستخدم أحياناً في لغة العرب بشأن بعض الأشياء التي لا فائدة فيها أبداً، ويحتمل بأنّها نوع من الكناية .وأمّا "زقّوم" فقد قال أهل اللغة: إنّه اسم نبات مرّ وذي طعم ورائحة كريهة.
و الفتنة تعني المحنة و العذاب، كما تعني الإمتحان، وغالباً ما جاء هذا المعنى في موارد متعدّدة من سور القرآن المجيد، وهو إشارة إلى أنّ المشركين عندما سمعوا كلمة (الزقّوم) عمدوا إلى السخرية والإستهزاء، فيما كان هذا الأمر إمتحاناً لاُولئك الطغاة.
نستلهم من الايتين بعضا من المفاهيم منها:
- عند مقارنة الأعمال و المشاريع ينبغي أن لا ننظر إلى نتائجها الدنيوية التي تزول سريعا بل يجب الاخذ بنظر الاعتبار الثمار والنتائج التي يجنيها الفرد في الاخرة .
- إن الظلم هو المعيار الموجب لدخول الفرد إلى جهنم سواء كان الظلم بالنفس أو بالاخرين أو الظلم بالله تعالى .
و هذه تلاوة الايات 64 حتى 66 من سورة الصافات المباركة:
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ﴿٦٤﴾
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ﴿٦٥﴾
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴿٦٦﴾
تشير هذه الايات إلى طبيعة شجرة الزقوم التي تنبت في قعر جهنم و يتناول من ثمارها اهل النار. فمن الطبيعي أن الشجرة التي تنبت في الجحيم فهي شجرة حارقة تسبب الأذى لمن يتناول من ثمارها .
إضافة إلى ثمار هذه الشجرة وريحها النتنة فقد شبهها القران بالقول: طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ . و"الطلع" هو أوّل ما يبدو من حمل النخلة ، استخدم التشبيه هنا لبيان شدّة قباحة ثمار الزقّوم وشكلها الباعث على النفور والإشمئزاز، لأنّ الإنسان عندما يشمئز من شيء ترتسم صورة ذلك الشيء في مخيلته بشكل قبيح ورهيب، فيما ترتسم صورة الشيء المحبوب بشكل جميل ووديع في مخيلته.
تستعرض الايات لنا بعضا من الدروس منها:
- إن القوانين الحاكمة في الدنيا تختلف كليا مع القوانين التي وضعها الله تعالى في القيامة .
- إن من يتبع الشيطان ووساوسه سيواجه يوم القيامة مشاهد يتوقع منها الجمال والخضار إلا أنها مشاهد كريهه يشمئز منها الانسان .
أهلا بكم من جديد أيها الأكارم نستمع معا إلى تلاوة الايتين 67 و68 من سورة الصافات:
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ ﴿٦٧﴾
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ ﴿٦٨﴾
ومن البديهي، فإنّ من يتناول هذا الطعام السيء الطعم والمرّ، يصيبه العطش، ولكن حينما يشعر بالعطش ماذا يشرب؟ القرآن يجيب عن هذا السؤال بالقول: (ثمّ إنّ لهم عليها لشوباً من حميم). و"الشوب" هو الشيء الممزوج مع شيء آخر. و (حميم) هو الماء الحار البالغ في حرارته، وطبقاً لذلك فحتّى الماء الحار الذي يشربه اُولئك الظالمون غير نقي، بل ملوّث.وهذا هو طعام أهل جهنّم، وهذا هو شرابهم. وبعد هذه الضيافة إلى أين يذهبون، فيجيب القرآن على هذا السؤال أيضاً بالقول: (ثمّ إنّ مرجعهم لإلى الجحيم).
ترشدنا الايتين إلى مفاهيم منها:
- أن لأهل النار أيضا طعامهم وشرابهم ولكنه طعام قبيح لا يغنيهم من الجوع بل يسبب لهم العذاب الأليم .
- الذين امتلأت بطونهم من الحرام ستمتلئ مرة أخرى في القيامة بما يسبب لهم الأذى والعذاب .
- إن القيامة على مراحل فبعد أن يجتاز أهل النار مراحل مختلفة يصلون إلى مقرهم الأصلي في الجحيم . ايها الأكارم .. بهذا تنتهي حلقة أخرى من حلقات برنامج نهج الحياة شكرا لكم والى اللقاء.