بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله على رسوله الأمين رحمة للعالمين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين ... ايها الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يسرنا أن نلقاكم مجددا عبر برنامج نهج الحياة الذي يرسمه لنا القران الكريم للحياة الطيبة في الدنيا. نتوقف اليوم عند الايات 13 حتى 17 من سورة الاحزاب المباركة .. في البداية ننصت سوية إلى تلاوة الاية 13 من هذه السورة المباركة:
وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ﴿١٣﴾
بدأنا الحديث في الحلقة الماضية عن معركة الأحزاب و أشرنا إلى قيام المنافقين والذين في قلوبهم مرض ببث الخوف و مشاعر الإحباط و اليأس فيما بين المسلمين . حيث اتهموا النبي بخداع الناس و استحالة تحقق الوعد الإلهي بالنصر في مثل تلك الظروف الصعبة . أما هذه الأية فهي تتحدث عن فريق آخر من المنافقين الذين قالوا لمن خرج من المدينة لقتال الأعداء : يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا . لقد قاموا ببث مشاعر الإحباط واليأس و دعوهم إلى العودة إلى بيوتهم للحفاظ على أهلهم وأولادهم وأموالهم . وهناك قسم آخر خلق لنفسه أعذارا قدمها بين يدي النبي (ص) ليأذن لهم بالانصراف والعودة إلى المدينة و الحقيقة هي أنهم أرادوا الهروب من ساحة المعركة ليس إلا.
نتعلم من هذه الأية بعضا من الدروس نشير إليها:
- إن بث الإشاعات و مشاعر الإحباط و الخوف والرهبة فيما بين الناس كلها من المحاولات التي يقوم بها المنافقون .وعلى المؤمنين أن يكونوا على حذر من تلك المحالاوت البائسة التي يقوم بها المنافقون على مستوى المجتمعات.
- لقد كان رسول الله (ص) هو القائد الميداني لمعركة الأحزاب و هذا من صفات القائد الإلهي الذي لا يترك الناس عند بروز الأزمات بل يبقى إلى جانبهم ويدير الأمور بكل حنكة وإلهام و تسديد إلهي.
والان ايها الكرام إليكم تلاوة الاية 14 و15 من سورة الاحزاب المباركة:
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا ﴿١٤﴾
وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّـهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّـهِ مَسْئُولًا ﴿١٥﴾
تواصل هاتان الايتان الحديث عن السبب وراء هروب هؤلاء المنافقين من مواجهة الأعداء في المعركة وتشير الأية إلى ضعف إيمانهم بالله تعالى فكأنها تقول لو ان الأعداء احتلوا المدينة و طلبوا من هؤلاء المنافقين العودة إلى الكفر والشرك بالله تعالى لرضخوا لمطلبهم بسرعة ولم يكونوا أوفياء بالعهد الذي قطعوه مع الله تعالى .لأنهم عاهدوا الله على أن يدافعوا عن النبي والمسلمين أمام أطماع العدو و أن لا يخونوا الله ورسوله إلا انهم لم يبقوا على عهدهم فنقضوا عهدهم و هم يعلمون أن الله سوف يحاسبهم ويسألهم عن ذلك أشد الحساب .
نستلهم من الايتين بعضا من الدروس والعبر منها:
- هناك فئة من المسلمين لم يستقر الإيمان في قلوبهم . هؤلاء يعودون عن طريق الحق بكل سهولة وبمجرد حصول علائم الأزمة . إن هؤلاء يستقبلون سلطة الأعداء وليسوا مستعدين لبذل الحماية والدعم للقيادة الإسلامية أمام الاعداء.
- إن الإيمان هو في الواقع عهد مع الله تعالى يقطعه المؤمن على نفسه و هو الذي يبقى على عهده مع الله تعالى حتى اخر لحظة من حياته و يدافع عن القيم الالهية. وأن أي نقض لهذا العهد يمثل الخروج عن دائرة الإيمان بالله. فالايمان عقيدة في القلب وعمل بالاركان.
ايها الاكارم لننصت إلى تلاوة الايتين 16 و17 من سورة الاحزاب:
قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿١٦﴾
قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّـهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿١٧﴾
إن الله تعالى يخاطب بواسطة نبيه الكريم محمد (ص) اولئك الذين يسعون وراء الهروب من ساحة المعركة بأن هروبكم من المعركة لن يحول دونكم والموت المحتم . فحتى إن نجوتم من الموت في المعركة فإنه سيلاقيكم بعد حين ولا مفر منه حينئذ و عندها ليس أمامكم سوى العقوبة الالهية التي تنتظركم لنقض عهودكم و ترككم نصرة النبي الأكرم (ص).
إضافة إلى ذلك فإن الموت أمر لا يتحقق فقط في ساحات القتال بل إن الموت ظاهرة طبيعية بسط مخالبه في كل مكان وبحق كل إنسان عاجلا أم آجلا . إذن ما الذي يضمن حياتكم إن أنتم فررتم بسلام من ساحات المعركة. فكم من الناس ماتوا بالموت الطبيعي أو الحوادث والكوارث الطبيعية . أليس الله بقادر على قبض أرواحكم و انتم تهربون من ساحة القتال ؟ أي ملجأ تظنونه يخلصكم من إرادة الله تعالى ؟و هل يوجد لكم ولي حقيقي من دون ؟
إذن فبدل أن تفكروا في الهروب من سوح القتال اثبتوا فيها وحاربوا الأعداء بكل ما اوتيتم من القوة لتكون العزة والنصر من نصيبكم و إن قتلتم في هذا السبيل فإن مردكم إلى الله تعالى.
تعلمنا الايتان دروسا منها:
- أن الموت هو المصير الذي ينتظرنا جميعا ولا مفر من هذا المصير المحتوم .و عليه فإن الأجدر بالمرء أن يسير في طريق تطبيق الأوامر الإلهية فالموت يأتي لا محالة.
- على الإنسان المؤمن أن لا يبع حظه في الاخرة بثمن بخس يراه في متاع الدنيا الزائلة.
- إن الكون كله تحت إرادة ومشيئة الباري تعالى . فمرارة الحياة وحلاوتها ، نجاحها وفشلها كلها بنيت على أساس الحكمة الإلهية .و أن سعادة الإنسان وشقائه رهن بالتزامه تعاليم الله تعالى أونسيانها.
إلى هنا وتنتهي حلقة أخرى من حلقات برنامج نهج الحياة حتى الملتقى نستودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.