بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله الطيبين الطاهرين . احبائنا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته و طابت أوقاتكم مفعمة بأريج الإيمان بتعاليم الله التي أنزلها عزوجل في القران الكريم لتكون نهجا نسلكها في حياتنا. وقفتنا اليوم عند الايات السادسة حتى التاسعة من سورة الأحزاب المباركة .نصغ بداية إلى تلاوة مرتلة للأية السادسة من هذه السورة المباركة .
النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّـهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴿٦﴾
تتطرّق الآية إلى مسألة مهمّة و هي إبطال نظام «المؤاخاة» بين المسلمين فلمّا هاجرالمسلمون إلى المدينة وقطع الإسلام جميع العلاقات بأقاربهم وأقوامهم من المشركين الذين كانوا في مكّة ، أجرى النّبي (صلى الله عليه وآله) بأمر الله عقد المؤاخاة بينهم بين «المهاجرين» و «الأنصار»، بحيث كان يرث أحدهم الآخر كالأخوين الحقيقيين، إلاّ أنّ هذا الحكم كان مؤقّتاً وخاصّاً بحالة إستثنائية جدّاً، فلمّا اتّسع الإسلام وعادت العلاقات السابقة تدريجيّاً لم تكن هناك ضرورة لإستمرار هذا الحكم، فنزلت الآية أعلاه وألغت نظام المؤاخاة الذي كان يحلّ محلّ النسب، وجعل حكم الإرث وأمثاله مختّصاً بأُولي الأرحام الحقيقيين.
وبالرغم من أنّ نظام المؤاخاة كان نظاماً إسلامياً ـ على خلاف نظام التبنّي الذي كان نظاماً جاهلياً ـ ولكن كان من الواجب أن يُلغى بعد إرتفاع الحالة الموجبة له، وهكذا حصل، الا أنّ الآية قبل أن تذكر هذا الحكم ذكرت حكمين آخرين ـ أي كون النّبي (صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وكون نساء النّبي (صلى الله عليه وآله) كاُمّهاتهم ـ فقالت: (النّبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه اُمّهاتهم). ومع أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) بمنزلة الأب، وأزواجه بمنزلة اُمّهات المؤمنين إلاّ أنّهم لا يرثون منهم مطلقاً، فكيف يُنتظر أن يرث الابن المتبنّي؟!
ثمّ تضيف الآية: (واُولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين) ولكن مع ذلك، ومن أجل أن لا تغلق الأبواب بوجه المسلمين تماماً وليكون بإمكان المؤمنين تعيين شيء من الإرث لإخوانهم ـ وإن كان بأن يوصوا بثلث المال ـ فإنّ الآية تضيف في النهاية: (إلاّ أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً). وتقول في آخر جملة تأكيداً لكلّ الأحكام السابقة، أو الحكم الأخير: (كان ذلك في الكتاب مسطوراً) أي في اللوح المحفوظ أو في القرآن الكريم .إنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) أولى من كلّ إنسان مسلم في المسائل الإجتماعية والفردية، وكذلك في المسائل المتعلّقة بالحكومة والقضاء والدعوة، وإنّ إرادته ورأيه مقدّم على إرادة أي مسلم ورأيه.ولا ينبغي العجب من هذه المسألة، لأنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) معصوم وهو خليفة الله سبحانه، ولا يفكّر و لا يقرّر إلاّ فيما يصلح المجتمع والفرد، ولا يتّبع الهوى أبداً.
ترشدنا الاية الي تعاليم ودروس منها:
- إن لرسول الله (ص) على جميع المؤمنين حق الولاية و الحكم في جميع الموارد سواء الفردية او الاسرية و الاجتماعية .
- من المفروض تكريم زوجات النبي (ص) و لا يجوز التقليل من شأنهن بقول أو فعل .
- لقد اهتم الاسلام كثيرا بالنَسَب والعلاقة الرحمية وذلك من أجل تقوية أواصر العوائل والأرحام في المجتمع .
و الان أيها الاكارم ننصت إلى تلاوة الايتين 7 و8 من سورة الاحزاب :
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴿٧﴾
لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ۚ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿٨﴾
تعرضت الآية السابقة لتبيين الصلاحيات الواسعة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)تحت عنوان (النّبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) واما هاتان الايتان تبيّنان واجبات النّبي (صلى الله عليه وآله) وسائر الأنبياء العظام (ع) فإنّها تذكر أوّلا جميع الأنبياء في مسألة الميثاق، ثمّ تخصّ بالذكر منهم خمسة أنبياء هم اُول العزم، وعلى رأسهم نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) لعظمته وجلالته وشرفه، وبعده الأنبياء الأربعة من اُولي العزم حسب ترتيب ظهورهم، وهم: «نوح وإبراهيم وموسى وعيسى» (عليهم السلام).
وهذا يوحي بأنّ الميثاق المذكور كان ميثاقاً عامّاً أُخذ من جميع الأنبياء، وإن كان اُولو العزم متعهّدين بذلك الميثاق ومسؤولين عنه بصورة أشدّ. ذلك الميثاق الذي وصف بالغليظ : (وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً).
للمفسّرين هنا أقوال مختلفة يمكن القول أنّها جميعاً فروع مختلفة لأصل واحد، وهو تأدية مسؤولية التبليغ والرسالة والقيادة وهداية الناس في كلّ الأبعاد والمجالات.
إنّ الأنبياء كانوا مكلّفين جميعاً بدعوة البشر إلى التوحيد قبل كلّ شيء، وكانوا مكلّفين أيضاً بأن يؤيّد بعضهم بعضاً، كما أنّ الأنبياء اللاحقين يصدّقون ويؤكّدون صحّة دعوة الأنبياء السابقين. والخلاصة هي أن تكون الدعوة إلى جهة واحدة، وأن يبلغ الجميع حقيقة واحدة، ويوحّدوا الاُمم تحت راية واحدة و هي راية التوحيد .و لكن الناس انقسموا تجاه هذه الدعوة الالهية إلى قسمين فمنهم من صدق الدعوة ومنهم من كفر بها .. فالصادقون هم المؤمنون الذين صدّقوا ادّعاءهم و إيمانهم بالعمل الصالح ، وأثبتوا صدقهم بترجمة عمليّة، وبتعبير آخر: فإنّهم خرجوا من ساحة الإختبار والإمتحان الإلهي مرفوعي الرؤوس ." وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا "
تعلمنا الايتان دروسا منها :
- إن تعرف تاريخ الأقوام الماضية أمر ضروري للمؤمن و ذلك من اجل أن يعرف السنن الإلهية و ليخطو خطوات صحيحة في الحياة .
- إن الله تعالى وضع في مقابل كل حق مسؤولية . فكل من يحمل مكانة ومقاما وجاها يميزه عن غيره فهو في المقابل يتحمل مسؤوليات أكثر من غيره .
- إن من لوازم الإيمان بالله تعالى الصدق في القول والعمل لأن القران الكريم يستخدم كلمة الصادقين بدلا من المؤمنين لتاكيد أن الايمان هو القول والعمل .
- إن الله سوف يحاسب العباد على أساس نواياهم ودوافعهم فليس ظاهر العمل يكفي لتكون النية و الدافع وراء العمل نية حسنة .
الى هنا نصل الى ختام وقفتنا عند هذه الايات المباركة من سورة الاحزاب المباركة حتى الحلقة القادمة نستودعكم الله الذي لا تضيع عنده الودائع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .