بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمد الشاكرين وأفضل صلواته على صفوة رسله وخاتم أنبيائه مولانا أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين، الذين هم سفن النجاة ومصابيح الهدى في الهلكات.
سلام عليكم حضرات المستمعين وأهلاً بكم في هذا اللقاء القرآني حيث بدأنا في الحلقة السابقة تفسير سورة (المؤمنون)، ومر عليكم تفسير موجز للآيات السبعة الأولى منها واليوم نبدأ بالآيتين الثامنة والتاسعة:
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴿٨﴾
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿٩﴾
في هذا النص إشارة لخصوصية أخرى عند المؤمنين وهي أداء الأمانة. والأمانة هي أمانتان إلهية وبشرية فالدين أمانة والقرآن أمانة والسنة المطهرة أمانة. وإن أداء التكاليف الدينية هو أداء للأمانات الإلهية. والمستفاد من الأحاديث أداء الأمانة البشرية سواء كان صاحبها مؤمناً أو كافراً. وقد ورد في الحديث الشريف:((ادّ الأمانة إلى من ائتمنك ولاتخن من خانك)).
وأداء الأمانة من علائم المؤمن وخيانة الأمانة من علائم المنافق فهو إذا اؤتمن خان وإن حدّث كذب وإن وعد أخلف، كما ورد في الأحاديث الشريفة. ويعود القرآن الكريم يؤكد لنا إن الصلاة في رأس الأعمال وإن المؤمنين هم الذين على صلواتهم يحافظون.
وبعبارة أخرى فإن صفات المؤمن تبدأ بالخشوع في الصلاة وتنتهي بالحفاظ عليها وأداءها في أول أوقاتها المحددة.
ولعل كل هذا التأكيد لما للصلاة من دور في تربية وتهذيب النفس.
وهذا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام يقول: ((تعاهدوا أمر الصلاة وحافظوا عليها واستكثروا منها وتقربوا بها فإنها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا)).
والمستفاد من هذا النص القرآني المبارك هو:
- إن من علائم الإيمان قبول المسؤوليات الدينية والإلتزام بالعقود الإجتماعية الصحيحة.
- إن الإلتزام بعرى الدين هو سبيل إلى القرب الإلهي.
ويقول تبارك وتعالى في الآيتين العاشرة والحادية عشرة من سورة المؤمنون:
أُولَـٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴿١٠﴾
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿١١﴾
إن هذا النص يقول لنا أن للمؤمنين في الآخرة جنات الفردوس خالدين فيها. وأن الجنة هي للمؤمنين كما أن النار للكافرين والعاصين.
ويفيدنا النص مايلي:
- إن أموال الإنسان في الدنيا تورث لأبنائه. أما أعماله فهو الذي يرثها في الآخرة.
- إن الجنة هي المأوى الأبدي للمؤمنين، يعيشون فيها حياة الخلود. متنعمين بنعيم الله تعالى فالآخرة إذن خير وأبقى.
والآن نستمع إلى ترتيل الآيات الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة من سورة المؤمنون:
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ﴿١٢﴾
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴿١٣﴾
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴿١٤﴾
إن النص يشير إلى أن الإنسان خلق من سلالة من طين. ومع هذا فالإنسان هو أسمى المخلوقات الإلهية. وفضله الله على سائر الخلق تفضيلا.
وفي النص أيضاّ توضيح لتكوّن الجنين ومراحل نموه في رحم أمه وقد ثبت من الناحية العلمية أن الجنين يمر بهذه المراحل حتى يصير إنساناً كاملاً يرى نور الحياة من بعد 9 شهور. ألا إن الحمل والإنجاب هو من حكمة الله تبارك وتعالى لديمومة النسل على الأرض.
نعم حضرات المستمعين من قبل 14 قرناً جاء القرآن الكريم بهذا التفصيل للمراحل الجنينية التي كشف عنها علم الطب والبيولوجيا في العقود الأخيرة وهذا من إعجاز القرآن الكريم.
إن ما يستفاد من النص هو:
- إن التفكر في آلاء الرحمن يقوي إيمان الإنسان. أليس القرآن الكريم يقول: ((وفي أنفسكم أفلا تبصرون))، ومروي عن إمام المتقين علي عليه السلام:((من عرف نفسه فقد عرف ربه)).
- حقاً إن معرفة النفس هي مقدمة لمعرفة الله جل شأنه.
مستمعينا الأفاضل انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة أنتم في الحلقة القادمة إنشاء الله على موعد مع تفسير آيات أخرى من سورة المؤمنون إلى اللقاء والسلام خير ختام.