بل وحتى الى انهيار الأسرة الحاكمة التي تعتبر العماد الأول في استمرار سلطة آل سعود في السعودية طيلة العقود الماضية، جراء القرارات الطائشة التي اتخذها محمد منذ توليه ولاية العهد والى هذا اليوم.
فقد عمد محمد بن سلمان على تصفية معارضيه، وخاصة معارضيه في الأسرة الحاكمة للتمهيد لتوليه الحكم في البلاد سواء بوفاة والده أو بالاعلان عن عجزه على ادارة الحكم، ومن الواضح أن تصفية الامراء ليس كتصفية علماء الدين والدعاة وائمة الجمعة والجماعة أو عموم المعارضين من أبناء الشعب، فتصفية هؤلاء ستزيد من الخلافات والصراعات مما يؤدي الى انهيار الحكم.
غير أن الداعم الرئيسي لمحمد هو والده (سواء أراد ذلك أو م يرد) الذي يظهر وكأنه غير عابئ بما يجري، وربما يريد بذلك توجيه رسالة لمعارضي ابنه وخاصة المعارضين من الأسرة الحاكمة، بأنه ماض في دعمه مهما يكن الثمن.
ولعل ظهوره المتكرر في وسائل الاعلام سواء بعقد الاجتماعات أو استقبال المسؤولين السعوديين والاجانب أو اصدار القرارات المختلفة خاصة القرارات الاخيرة فيما يتعلق بـ "فيروس كورونا" يريد الايحاء منها للجميع بأن وضعه الصحي على ما يرام وانه لا يزال يسيطر على الأوضاع ويسيّر الأمور، خاصة وانه القضايا الانية التي تواجه البلاد.
الظهور المتكرر في فترات قصيرة في الوقت الذي كان يتغيب فيها سلمان عن وسائل الاعلام لعدة أسابيع ينبئ بأن الوضع السياسي في المملكة ليس على ما يرام، ويؤكد أن الأنباء التي تحدثت عن محاولة انقلاب واشتباكات واعتقالات لأعضاء في الأسرة الحاكمة صحيحة، رغم تكتم السلطات الشديد على ذلك.
وكانت الأمور تجري بشكل طبيعي بعد تولي سلمان منصب الملك بعد وفاة أخيه عبد الله، وسارت الأمور أيضا بشكل طبيعي عندما قام بتعيين محمد بن نايف وليا للعهد، الا أن السعودية لم تذق الاستقرار منذ تعيين نجله محمد وليا لولي العهد في عام 2015، فلم تمض فترة طويلة حتى ازاح ابن عمه محمد عن ولاية العهد ليكون هو ولي العهد بلا منازع، وبما أن قرار سلمان يتعارض مع وصية الملك عبد العزيز، فاننا سنشهد الأزمات السياسية الواحدة تلو الأخرى تعصف بالمملكة والأسرة الحاكمة.
وفي كل مرة يقوم بن سلمان بتكميم وتصفية خصومه، عبر ذرائع متعدد ومن بينها ذريعة التورط بالفساد، ولعل قضية احتجاز الأمراء والوزراء ورجال الأعمال في الفندق أبرز نموذج على ذلك، مما يضطر والده الى تكرار ظهوره في وسائل الاعلام ليوحي للرأي العام السعودي والعالمي بأنه لا يزال يمسك بزمام الأمور، وأن الذي يجري على علم ودراية به، وانه يؤيده ويدعمه.
سلمان يريد من خلال ظهوره المتكرر توجيه رسالة مباشرة الى آلاف الأمراء من أسرة آل سعود تتضمن تهديدهم بأنه بالمرصاد لكل من تسول له نفسه ويعترض على تولي نجله محمد منصب ولاية العهد، وقريبا الملوكية، ولا شك أن محمد بدوره يحرص على الظهور المكرر لوالده لكي تستتب له الأمور، قبل وفاته.
ولكن يخطأ بن سلمان اذا كان يتصور أن الدعم الذي يتلقاه من والده كفيل بمنحه الشرعية للمضي قدما في ادارة البلاد بعد وفاة والده، بل أن وفاة سلمان ستكون بداية لأزمات مدمرة لحكم آل سعود، ولعل بعض الأمراء وعموم الأسرة الحاكمة تتريث لما سيجري بعد وفاة سلمان، وانها ستتخذ القرار الحاسم تجاه محمد بعد الاجراء الذي يتخذه بعد وفاة والده، فاذا أعلن نفسه ملكا للبلاد، عندها ستعلن الاعتراض عليه وتسعى للاطاحة به.
وليس من المستبعد أن يكون بن سلمان قد أعد العدة لمثل هذا اليوم، فاذا كان قد اصر على تولي العرش بأي ثمن كان، فانه سيأخذ البيعة من الجميع ويركع الجميع لقراره، وليس من المستبعد أن يقوم بتصفية المعارضين سواء بقتلهم أو فرض اقامة جبرية عليهم أو اعتقالهم باتهامات ومحاكم صورية ليكونوا عبرة للجميع، متسلحا في ذلك بشرعية قرار والده، وكذلك فانه من المتوقع أن يرغم هيئة البيعة على اتخاذ قرار تعيينه ملكا للبلاد.
ولكن اذا لم تكن لديه نية على تولي العرش فليس من المستبعد أن يخول هيئة أهل الحل والعقد أو هيئة البيعة لتتخذ القرار الذي يرضي الجميع، ومما لاشك فيه فانه سينصاع للقرار، ومن الطبيعي أن لا يكون هو ملكا للسعودية وبذلك تتخلص المملكة من صفحة مليئة بالمشاكل من تاريخها.
من هنا فلا ينبغي على سلمان ارهاق نفسه وتكثيف ظهوره امام وسائل الاعلام، ليوحي للجميع أنه يقدم الدعم الكامل لنجله، فان كل ذلك لن يجدي، فكل المؤشرات تدلل على أن الأمور لن تستتب لنجله اذا لم يوافق الجميع على توليه العرش بعده.