والخميس الماضي، أطلق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف رسالة إلى المنظمات الدولية لإغاثة إيران عبر تزويدها بـ30 صنفا من المعدات والأدوية الطبية الضرورية لمكافحة انتشار الفيروس، الأمر الذي لقي استجابة عدة دول منها: الصين وتركيا والإمارات العربية المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا واليابان وقطر وأذربيجان وروسيا.
ووجهت عدة دول منها الصين والباكستان مطالبات للولايات المتحدة برفع العقوبات عن إيران، منتقدة الموقف الأمريكي المتشدد بهذا الخصوص، كما أطلق نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة لجمع توقيعات تحض المؤسسات الدولية وأمريكا للاستجابة للمطالب الإيرانية برفع العقوبات عنها.
لكن الولايات المتحدة تقول إنها عرضت تقديم مساعدات طبية على إيران، الأمر الذي رفضته الأخيرة، نظرا لاشتراط واشنطن تقديم طهران كتابا خطيا من أجل تلقي المساعدات، فيما اعتبره مراقبون أنه "صيغة استجداء".
وأمام اشتداد الأزمة الصحية والإنسانية في إيران، طرحت "عربي21" تساؤلات على مراقبين حول توقعاتهم لتراجع الولايات المتحدة عن موقفها من العقوبات المفروضة على إيران، وما هي خيارات طهران لمكافحة انتشار الفيروس في حال استمرار العقوبات، وما إمكانية تقديمها تنازلات أو اللجوء للتفاوض مع واشنطن حول ذلك.
تأثير العقوبات
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي عماد آبشناس أن السبب الأصلي الذي جعل إيران تواجه فيروس "كورونا" بهذه الصورة الشديدة، هي العقوبات الأمريكية المفروضة على البلاد، والتزام الدول الأوروبية بها.
وأفاد في حديثه لـ"عربي21" أنه عندما بدأ "كورونا" بالتفشي في أرجاء إيران لم يكن لديها أجهزة للكشف عن المرض، وكانت تستخدم فقط أجهزة الكشف الحراري، الأمر الذي ضاعف الكارثة.
ونوه إلى أنه وعقب تفشي "كورونا" في البلاد، نرى بأن الولايات المتحدة لم تسمح للمنظمات الدولية بتقديم مساعدات طبية لإيران، كما لم تسمح باستفادة إيران من أموالها المجمدة في المصارف الدولية، لشراء المعدات والأجهزة الطبية اللازمة لمكافحة "كورونا".
ويقول إن "المساعدات الطبية التي قدمتها بعض الدول لإيران ساعدت نسبيا في مواجهة "كورونا"، لكنها لا تكفي لبلد يفوق عدد سكانه 80 مليون نسمة".
ويشير إلى أن "العقوبات اليوم لا تؤثر فقط على إيران، بل تؤثر على جميع دول العالم، نظرا لأن الفيروس يتفشى ولا يمكن إيقافه".
ويقول: "تحدثت مع مندوبين من منظمة الصحة العالمية، وأفادوا بأن الولايات المتحدة لم تسمح لهم بإرسال أجهزة التعقيم التي تزيد عن 20 لترا إلى إيران"، مؤكدا أنه إلى الآن لا توجد أي استجابة من واشنطن لمطالب رفع العقوبات، سواء بالسماح للمنظمات الدولية بإرسال مساعدات طبية، أو فك الحظر على الأموال الإيرانية المحتجزة لدى المصارف الدولية.
وشدد على أنه لا يوجد أي قانون يسمح لدولة أن تفرض عقوبات على دولة أخرى تمنعها من شراء المعدات والأجهزة الطبية والأغذية، وأن الولايات المتحدة تفرض هكذا عقوبات على إيران.
ويضيف: "أمريكا لا تسمح للمصارف بأن تفتح أرصدة لشراء الأجهزة الطبية والأغذية لصالح إيران، ولا تسمح أيضا للمنظمات الدولية بفعل ذلك".
وتبلغ أموال إيران المجمدة في المصارف الدولية أكثر من 180 مليار دولار، بحسب ما قال المحلل السياسي الإيراني.
ونوه إلى أن فيروس "كورونا" أصاب العديد من الأطباء والممرضين والعاملين في القطاع الصحي، نظرا لقلة المعدات الطبية، مضيفا: "نحن نبذل جهودا ذاتية لمكافحة انتشار المرض، لكننا معرضون لإصابات أكثر".
واستبعد لجوء الحكومة الإيرانية إلى التفاوض مع الولايات المتحدة أو تقديم تنازل لها من أجل رفع العقوبات، قائلا: "ذلك يعني استجابة إيران للحرب الجرثومية الأمريكية، وبذلك يستطيع (الأمريكان) تحقيق ما يريدون من إيران في الوقت الذي يقررونه".
الاستغلال الأمريكي
أما الكاتب والمحلل السياسي، صابر عنبري، فيشير إلى حقيقة أنه لا يوجد بند من العقوبات الأمريكية يمنع استيراد إيران للمعدات والأجهزة الطبية والأدوية، لكن العقوبات تحقق ذلك بطريقة غير مباشرة، حيث أدت العقوبات إلى تدهور الوضع الاقتصادي العام في البلاد، وذلك منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في أيار/ مايو 2018.
وفي حديثه لـ"عربي21"، ينوه عنبري إلى أن "إيران لم تكن مستعدة ماليا ولا صحيا لمواجهة فيروس كورونا المستجد والخطير".
وينوه إلى أن تأثير العقوبات على القطاع الصحي كانت "كبيرة"، حيث لم تستطع إيران الاستفادة من أموالها المجمدة بالخارج لجلب الأجهزة والمعدات الطبية اللازمة لمكافحة الفيروس، كما ليس بمقدورها تنفيذ فرض حظر على المدن، للحد من انتشار المرض، لأن ذلك يلزمه تأمين حاجات الناس الضرورية والسلع الأساسية، وهو ما يفوق قدرات الدولة المالية.
ومن وجهة نظره، فإن الموقف الأمريكي يستغل هذه الظروف لإجبار إيران على التراجع في مواقفها السياسية، وعندما عرضت واشنطن إرسال مساعدات طبية وصحية لمواجهة كورونا، اشترطت أن تكتب إيران ذلك، في إشارة إلى "استجداء إيران للمساعدة"، وهو ما ترفضه إيران رفضا قطعيا.
ويضيف: "لو كانت الإدارة الأمريكية جادة في موقفها لكان بإمكانها أن تهمش الخلافات والصراع السياسي جانبا، وأن تمرر مثل هذه المساعدات عبر الصليب الأحمر الدولي أو منظمة الصحة العالمية أو على الأقل توقف العقوبات على إيران بشكل مؤقت".
ويتابع: "هذه المساعدة نوع من المناورة الأمريكية، وفي الحقيقة هي لم تقم بأي خطوة لتخفيف العقوبات ومساعدة إيران، أما أوروبا فهي منشغلة بتداعيات كورونا، وليس بإمكانها أن تفعل شيئا في هذه الظروف التي تمر بها".
وحول خيارات إيران المتاحة لمواجهة الفيروس، قال عنبري: "إيران ليست برفاهية في خياراتها في مواجهة المرض، ويعتبر نظامها الصحي قوي في المنطقة باعتراف منظمة الصحة العالمية، لكنها بسبب شح الأدوات والإمكانيات الطبية اللازمة الخاصة باكتشاف ومحاصرة المرض تواجه صعوبات كبيرة للغاية".
وقال: "أستبعد جدا أن تجبر هذه الظروف العصيبة إيران على تقديم تنازلات أو التفاوض مع واشنطن لرفع العقوبات"، مضيفا "لا شك أن واشنطن تنشد ذلك في مثل هذه الظروف، لكن ذلك لن يحصل".
وحول طلب إيران قرضا من صندوق النقد الدولي، فيشير إلى غرابة هذا المطلب، حيث أن إيران لم تطلب قرضا من الصندوق منذ عام 1962.
ويعتقد بأن إيران أقدمت على هذه الخطوة لإحراج صندوق النقد الدولي، وهي تعلم أن الصندوق يتأثر بالقرار الأمريكي، وعندما طلبت القرض فهي تعلم بعدم الموافقة مسبقا، لكنها حاولت إحراج الصندوق، خاصة في ظل إعلانه تقديم مساعدة للدول التي تعاني من تفشي كورونا.
عربي 21