فوفقا للدستور العراقي فان الكتلة الأكبر في البرلمان تعين رئيس مجلس الوزراء ويقوم رئيس الجمهورية بتكليفه بتشكيل الحكومة، وبما أن كتلة الفتح هي الأكبر فقد أعلن المتحدث باسمها أحمد الأسدي ان الكتلة ستعلن عن مرشحها لرئاسة مجلس الوزراء قبل انتهاء الفترة المحددة وهي يوم الاثنين القادم.
غير أن التصعيد الذي لجأت اليه الولايات المتحدة في العراق يترك أثرا مباشرا على قرارات الاحزاب والقوى العراقية وخاصة البرلمان العراقي الذي يمنح الثقة لرئيس مجلس الوزراء المكلف.
لو عرفنا ما هي أبرز القضايا في جدول أعمال رئيس مجلس الوزراء العراقي حال تصويت البرلمان عليه، لعرفنا لماذا تلجأ الولايات المتحدة للتصعيد.
الجميع يعلم أن البرلمان العراقي أصدر قرارا باخراج القوات الاجنبية بعد الجريمة النكراء التي ارتكبتها القوات الامريكية باغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما على أرض العراق.
لذلك فان العمل على اخراج القوات الأمريكية سيكون على رأس جدول أعمال رئيس الحكومة العراقية القادم ، وبما أن واشنطن تدرك ذلك جيدا وهي لا تريد مغادرة العراق فانها تبذل المساعي ليغض العراقيون طرفهم عن هذه القضية.
من هنا فان السياسة الأميركية في العراق ترتكز في الوهلة الأولى على عرقلة الاتفاق على رئيس لمجلس الوزراء، ولكن اذا تجاوز العراقيون هذه المرحلة واتفقوا على رئيس لمجلس الوزراء وصادق البرلمان فان الادارة الاميركية ستبذل ما في وسعها لمنع الحكومة والبرلمان تفعيل قرار اخراج القوات الاميركية من هذا البلد.
ما حدث في قضية المرشح محمد توفيق علاوي يشير الى ذلك، فكل المؤشرات كانت تدلل على أن علاوي سيفوز بثقة البرلمان ولكن تبدد كل شيء عندما لم يكتمل النصاب وعادت الأزمة للمربع الأول.
غير أن نضج العراقيين ووعيهم بالظروف التي تحيط بهم كفيل بأن يتجاوزوا الأزمة الحالية خاصة وأن القوات الاميركية لم تجلب لهم سوى الدمار والتخلف على جميع الأصعدة منذ احتلالها للعراق وحتى هذا اليوم.
بل كاد العراق ينزلق الى عدة حروب أهلية نتيجة تدخل الولايات المتحدة في شؤون العراق ، خاصة وأن هذا البلد لم يشهد الخلافات الطائفية وانتشار الارهابيين فيه وسيطرتهم على اراضي شاسعة في العراق الا بعد الاحتلال الامريكي.
ليس العراق وحده عانى ولا يزال من وجود القوات الأميركية وانما كل البلدان التي شهدت وجود هذه القوات لم تذق الاستقرار والسلام، ولعل أبرز مثال على ذلك هي أفغانستان، فكان المبرر الرئيسي للتدخل الأميركي في أفغانستان هو وجود حركة طالبان، ولكن هل ذاقت أفغانستان الاستقرار منذ الاطاحة بطالبان والى هذا اليوم، وفي نهاية المطاف وبعد نحو عشرين عاما جاءت واشنطن لتعقد اتفاق سلام مع طالبان، لتحفظ ماء وجهها بخروج آمن لقواتها من هذا البلد.
هذا نموذج واضح على أن القوات الاميركية لا تجلب سوى الفوضى والتوتر واندلاع الأزمات في أي بلد تذهب اليه، ولا ينبغي الشك في أن التصعيد الأميركي في العراق يرمي بالدرجة الأولى الى الاخلال في وضع العراق.
ومما لا شك فيه أن فصائل المقاومة العراقية لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه الاستهتار الأميركي، لذلك فان السبيل الأفضل والأقل تكلفة هو أن تنهي الحكومة العراقية وجود القوات الأميركية بطريقة قانونية ولا أحد في العالم سيعترض على أي قرار تتخذه الحكومة العراقية بهذا الخصوص، فمن حقها ذلك، الا انه مع بقاء القوات الاميركية في العراق فسيتكرر مشهد استهداف معسكرات ومقرات الحشد الشعبي، وسيرد الحشد على الاستهتار الأميركي، الا أن الضحية الأولى في هذه الدوامة المرعبة هو استقرار العراق واستتباب أمنه وسلامة أهله.