بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على الهادي الأمين سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطاهرين.
السلام على إخوة الأيمان في كل مكان وأهلاً بكم في هذه الحلقة من نهج الحياة، حيث نواصل تفسير آيات أخرى من سورة طه؛ والآن نستمع منها إلى الآيات الخامسة والعشرين حتى الثامنة والعشرين؛
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴿٢٥﴾
وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴿٢٦﴾
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ﴿٢٧﴾
يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴿٢٨﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن الله تعالى بعث موسى عليه السلام في بني اسرائيل نبياً وأجرى على يديه معجزتين، هما انقلاب العصا إلى حية تسعى وخروج يد هذا النبي الكريم بيضاء من غير سوء.
وكان أن أمر الله تعالى موسى (ع) بالتوجه إلى طاغية عصره، فرعون الذي كان علا في الأرض وادعى الألوهية لنفسه واتخذ الناس خولاً وعبيداً له؛ كانت المهمة صعبة، ومن هنا جاء طلب موسى (ع) من ربه الكريم، حيث قال: (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي).
نعم، لقد قبل موسى عليه السلام المسؤولية الإلهية التي أسندت إليه وطلب من الله تعالى التوفيق لأداءها على الوجه الأحسن، وقد يسر الله تعالى لموسى الظروف لمقابلة الطاغية فرعون.
وأما الدروس المستفادة من هذا النص فهي:
- إن اول خطوة في إصلاح المجتمع تكمن في إصلاح قادته.
- إن الصبر والثبات والإستقامة هي الشروط الأولى لأداء المهام الجسام.
- من أجل القيام بالمسؤوليات الكبيرة لابد من طلب العون من الله تعالى، ولا ينبغي التخلي عن المسؤولية الإلهية بأي حال من الأحوال.
- لابد أن يكون كلام الداعية الديني قابلاً للفهم وعليه لابد من التحرز من الكلام الصعب في الدعوة إلى الله، وهذا معنى قوله تعالى "واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي".
والآن نستمع إلى تلاوة الآيات التاسعة والعشرين حتى الثانية والثلاثين من سورة طه المباركة:
وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي ﴿٢٩﴾
هَارُونَ أَخِي ﴿٣٠﴾
اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴿٣١﴾
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴿٣٢﴾
لقد طلب موسى عليه السلام من الله تعالى ومن أجل أداء مهام الرسالة الربانية، طلب أن يجعل أخاه هارون معيناً له، وجاء في التفاسير أن هارون كان أكبر من موسى عليه السلام بثلاثة أعوام وكان ذو لسان فصيح ومنطق بليغ.
وقد مات هارون وموسى (ع) كان على قيد الحياة، وقد تبوأ هارون كأخيه موسى منصب النبوة، على أن هذين النبيين قد ساهما في دعوة الطغاة الفراعنة إلى الحق وإلى التوحيد.
وأما المستفاد من هذه الآيات المباركات فيمكن إجماله في النقاط الثلاثة التالية:
- لأداء عظام الأعمال لابد من الإستعانة بالله تعالى.
- الشريك لا ينبغي أن يكون في القضايا الإقتصادية والتجارية فحسب، بل لابد من الإستعانة بخبرات الآخرين في أداء المهام الدينية كذلك.
- إن تعاون الأقرباء أمر لا ضرر فيه، بشرط أن يكونوا على نمط واحد من التفكير.
ويقول تعالى في الآيات الثالثة والثلاثين حتى السادسة والثلاثين من سورة طه الكريمة:
كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ﴿٣٣﴾
وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴿٣٤﴾
إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ﴿٣٥﴾
قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ ﴿٣٦﴾
الذي يوضحه لنا هذا النص القرآني، أن هدف موسى عليه السلام هو محاربة الطغاة ودعوة الناس إلى نبذ عقيدة الشرك والتمسك بعقيدة التوحيد الخالص.
إن كل مؤمن يقول سبحان الله وينزه الباري جلت عظمته، أما إزالة آثار الشرك من المجتمع وبذر بذور الإيمان فيه هو مهمة الأنبياء والرسل العظام، صلوات الله عليهم أجمعين، الذين تكللهم العناية الربانية وتحفهم التوجهات الإلهية.
والآن إلى الدروس التي نأخذها من هذا النص فهي:
- إن فلسفة الحكم عند الأنبياء عليهم السلام تقوم على أساس تطهير المجمتع من براثن الشرك وإقامة نظام العدل والإيمان فيه.
- إن الله تبارك وتعالى عالم بكل شيء، لكن من واجبنا، ونحن عباده، أن نتضرع إليه وندعوه جلت عظمته.
وقد جاء في الروايات أن الدعاء عمود الدين وسلاح المؤمن ونور الله في السموات والأرض؛ ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشداً، صدق الله العلي العظيم.