بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، ابي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين، والسلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلا بكم في نهج الحياة وسنقدم فيها تفسيراً موجزاً لآيات أخرى من سورة مريم المباركة، حيث نبدأ بالآية السابعة والثمانين:
لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـٰنِ عَهْدًا ﴿٨٧﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن المشركين كانوا يفخرون بأموالهم وثرواتهم، ومن جهة أخرى كانوا يريدون من آلهتهم الدعم والحماية بأي شكل كان.
وفي هذا النص الواضح من الدلالة على أن من يعبدهم المشركون ليس لهم قدرة الشفاعة لهم في يوم القيامة وتخليصهم من نار جهنم، إن الشفاعة هي لأولياء الله تعالى من الرسل والأنبياء والأئمة عليهم الصلاة والسلام، حيث قد أذن لهم الرب الجليل بهذا.
وبشكل عام فإن الشفاعة يوم القيامة لها أحكامها وضوابطها، من جهة ليس لكل أحد الشفاعة ومن جهة اخرى لا ينال الجميع هذه الشفاعة، إن الشفاعة ينالها المؤمنون الذين قد نزل قدم لهم وهؤلاء ينالون هذه الشفاعة بإذن من الله، إذ الأمر كله لله وحده، وعلى أي حال لا ينبغي أن تكون الشفاعة مسوغاً لعمل السيئات في الدنيا والتأمل بالخلاص من عقابها في الآخرة.
والمستفاد من هذا النص هو:
- إن الشفاعة هي بأمر الله وبإذنه.
- إن من لطف الله على عباده أن أذن بالشفاعة لخاصة خلقه من أوليائه الصالحين (ع).
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الثامنة والثمانين والتاسعة والثمانين من سورة مريم (س):
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـٰنُ وَلَدًا ﴿٨٨﴾ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴿٨٩﴾
إن من عقائد المشركين إدعاء الولد لله تعالى والمعروف أن المشركين كانوا يرون الملائكة بناتاً لله، تعالى عن ذلك علو كبيراً، كما أن اليهود قالوا أن عزير ابن الله، وقالت النصارى عيسى ابن الله، ذلك قولهم بأفواههم، قول ما أنزل الله به من سلطان بل هو من فكرهم الخاطيء وفيه إشارة إلى تعريف أديان قامت على التوحيد الخالص، واستلهمت عقائدها من وحي السماء في التوراة والإنجيل، لكن المضلين أدخلوها فيها عقائد شركية محرمة، والذي نأخذه من هذا النص هو:
- أن نسبة الولد إلى الله تعالى أمر قبيح حتى وإن كان المنسوب نبياً من أنبيائه عليهم السلام، وبعبارة أخرى إن علاقة الخالق بالمخلوق ليست علاقة الوالد بالمولود، بل علاقة العابد بالمعبود.
- إن إدعاء الولد لله شرك واضح وخروج عن إطار عقيدة التوحيد، قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
ولنصغي الآن إلى ثلاث آيات من سورة مريم المباركة، الآية التسعين والحادية والتسعين والثانية والتسعين:
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴿٩٠﴾
أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدًا ﴿٩١﴾
وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴿٩٢﴾
إن عالم الوجود قد بني على أساس التوحيد وإن إدعاء الولد لله أمر قبيح يتعارض مع التوحيد الخالص، ومن هنا جاء هذا التشبيه القرآني من أن السماء تتفطر والأرض تنشق وتهد الجبال لوجود هذه العقيدة غير الحقة، وبعبارة أخرى، في الإمكان القول أن الشرك بالله إثم كبير لا تتحمله السموات والأرضين على أن نسبة الولد إلى الله خروج عن تنزيه الباري الذي هو الكمال المطلق وفيض الوجود وكيف يكون له ولد وهو جلت عظمته ليس كمثله شيء تبارك ربنا ذوالجلال والإكرام.
والآن إلى الدروس المأخوذة من هذا النص وفي الإمكان أن نجملها في النقاط الثلاث التالية:
- إن ارتكاب المعاصي يؤدي إلى تلاشي الكون، لكن الله تعالى بقدرته ولطفه يحول دون ذلك.
- إن الشرك أخطر أنواع الفساد في عالم الوجود، حتى أن الطبيعة الصامتة تبدي رد فعل إزاءه.
- إن وجود الولد يلزمه وجود الزوجة والله تعالى لم يتخذ صاحبة ولا ولداً.
نسأل الله تعالى أن يمن علينا وعليكم بالشفاعة يوم تقوم الساعة، إنه سميع مجيب.
طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير حضرات المستمعين الأفاضل والسلام عليكم.