بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين الذي سمي في السماء بأحمد وفي الأرضين بأبي القاسم محمد وعلى آل بيته وعترته الميامين، والسلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم، حلقة أخرى من هذا البرنامج القرآني نقدمها لكم وسنعرض فيها تفسيراً موجزاً لخمس آيات من سورة مريم المباركة؛ حيث نبدأ بالإستماع إلى تلاوة الآيتين الرابعة والعشرين والخامسة والعشرين من هذه السورة وهي قوله تعالى:
فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴿٢٤﴾
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴿٢٥﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن العذراء مريم سلام الله عليها وبإرادة الله تبارك وتعالى قد حملت من دون أن يمسسها بشر، لقد خرجت مريم من بيت عبادتها في بيت المقدس و آوت إلى خلوة خارج المدينة واتكأت إلى جذع نخلة، وبينا كان الحزن والهمّ قد خيما على مريم (س) لما حدث لها، جاءها نداء من الجنين الذي كان في بطنها أن لا تخافي ولا تحزني إن الله معك وإنه يرزقك ماءاً زلالاً ومن فوقك رطباً جنياً.
وقد جاء في الروايات عن سيد الرسل (ص) والإمام علي عليه السلام أن التمر هو أفضل غذاء للمرأة الحامل وللمرأة حديثة الوضع، وما نأخذه من هذا النص من إفادات هو:
- إن المرأة الحامل تحتاج إلى هدوء جسمي وآخر نفسي وعلى الأسرة توفير إجراء الهدوء والراحة لها والتقليل من إضطرابها.
- إن التمر والرطب هو من نعم الله تعالى وقد حث على أكله لما فيه من فوائد.
ويقول تعالى في الآية السادسة والعشرين من سورة مريم (س):
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴿٢٦﴾
لقد خفف كلام الوليد عيسى عليه السلام من آلام أمه العذراء الروحية والجسدية، لكن الإضطراب بقي ملازماً إياها ترى كيف ستواجه الناس وماذا ستقول لهم وهي عرضة لتهمة بريئة منها كل البراء؟
ثم ألهمت العذراء أن تنذر للرحمن صوماً فلا تكلم اليوم إنسياً، إن هذه الآية الشريفة، على أي حال، تعد الولد قرة عين أبويه، وقد أثبت علم النفس والتجارب العلمية أن قدوم الوليد إلى أجواء الأسرة يشيع فيها المحبة والوئام أكثر فأكثر ويقوي من أواصر الزوجية بين الرجل والمرأة أو الزوجين.
ويستفاد من هذه الآية:
- إن النذر لله تعالى هو سبيل للخروج من الطريق المسدود في الحياة وهو من سنة أولياء الله تعالى ولنا فيهم الأسوة الحسنة.
- في بعض الأحيان لابد من التزام الصمت والسكوت أمام التهم التي يوجهها الناس، حيث أن الحقيقة تتضح بذاتها شيئاً فشيئاً.
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين السابعة والعشرين والثامنة والعشرين من سورة مريم عليها السلام:
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ﴿٢٧﴾
يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴿٢٨﴾
بعد أن وضعت مريم سلام الله عليها وليدها أتت قومها تحملها، لكن القوم نظروا إليها نظرة سيئة واتهموها بالزنا، نعم تهمة الزنا وجهت إلى أطهر إمرأة على الأرض، كما كانت زليخا إمرأة عزيز مصر قد وجهت تهمة الزنا إلى سيدنا يوسف على نبينا وآله وعليه السلام.
على أي حال إن في مثل هذه الأحداث دروس وعبر وهي أن يدرأ الإنسان عن نفسه سوء الظن، فلا يظن بالآخرين إلا خيراً، وها هو القرآن الكريم والذكر الحكيم يعلمنا فيقول: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم".
نعم، الكثير من الناس وبجهلهم أو حسداً منهم وحقداً يتهمون الآخرين بتهم هم منها براء ويسيئون بهم الظنون.
والآن إلى الدروس التي يمكن أن نأخذها من هذا النص الشريف وهي:
- في بعض الأحيان يحكم الناس على الأمور بشكل عاجل وفقاً لقرائن ظاهرية لا على أساس الحقيقة والواقع.
- شاء الآباء والأمهات أم أبوا، أنهم عن سلوكيات أبناءهم مسؤولون، إذن والحال هذه عليهم السعي في تربية الأبناء كي يبقى من بعدهم الذكر الطيب.
- إن الفاحشة مذمومة عن أي شخص صدرت وهي تكون مذمومة أكثر إن صدرت عمن ينتمي إلى أسرة أصيلة.
جنبنا الله وإياكم سوء الأعمال والفواحش ووفقنا وإياكم لنيل الفضيلة وارتداء حلتها القشيبة، إنه تعالى خير مجيب والحمد لله رب العالمين والسلام على عباد الله الصالحين.