بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الصادق الأمين سيدنا محمد المصطفى وعلى أهل بيته الطاهرين، السلام عليكم أيها الكرام وأهلاً بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة.
والآن نستمع وإياكم إلى تلاوة الآيتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة من سورة مريم عليها السلام:
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ﴿١٨﴾
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴿١٩﴾
كانت العذراء مريم سلام الله عليها قد اعتزلت الناس واتخذت لها مكان عبادة في جانب من بيت المقدس، وذات يوم من الأيام رأت في مكان عبادتها شاباً وسيماً فخافت مما رأت فاستعاذت بالله آنذاك وطلبت من الرجل الشاب أن يبتعد عنها.
ورد الشاب الوسيم أنا لست ببشر، أنا ملك من ملائكة الله بعثني أليك كي أهب لك غلاماً زكياً.
وفي هذا النص ما يدلنا على أن النساء العفيفات يتجنبن بالرجال ويستعذن بالله من الوقوع في حبائل الإثم وشراك الشيطان، لكن مثل هذا الأمر لا يراعى في مجتمعاتنا المعاصرة، حيث الإختلاط بين الجنسين صار أمراً رائجاً فيها، والمستفاد من هذا النص هو ما يمكن تلخيصه في النقطتين التاليتين:
- إن الإستعاذة بالله من شر الشيطان الرجيم هو أمر قرآني ومتجلي في سيرة العباد المنتجبين.
- ليس إبلاغ الوحي الإلهي الواجب الوحيد للملائكة، بل إنهم ينفذون أوامر الله في شؤون أخرى، ومن هنا فإن نزولهم لا يقتصر على الأنبياء فقط.
ويقول تعالى في الآيتين العشرين والحادية والعشرين من سورة مريم:
قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴿٢٠﴾
قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ﴿٢١﴾
بعد أن خافت مريم (س) وتعجبت من حضور الرجل في مكان خلوتها، لازمها شيء من الحيرة مما كانت تراه، نعم لقد ازدادت حيرتها وسألت كيف يمكن لفتاة عذراء أن تلد ولد ولم يمسسها بشر ولم تكن بغياً؛ ثم إن مريم (س) كانت قد غادرت حياتها العادية مع الناس وألفت العزلة للعبادة والتهجد.
على أي حال إن الملك الرباني أبلغها أن ذلك على الله هين وأن إرادة الباري تعالى اقتضت أن تكون ولادة عيسى عليه السلام مصحوبة بالمعجزة الإلهية.
والمستفاد من هذا النص:
- إن إرادة الله تعالى تهيمن على كل قوانين الوجود وليس من شيء يحول دون تحققها.
- إن بعثة الأنبياء العظام عليهم السلام فيه رحمة للعالمين، ومن هؤلاء الأنبياء سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام.
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين من سورة مريم عليها السلام:
فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ﴿٢٢﴾
فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ﴿٢٣﴾
وبإرادة الله تبارك وتعالى، نفخ روح الله في مريم عليها السلام، وشيئا فشيئا ظهرت عليها آثار الحمل كأي إمرأة أخرى، لما رأت مريم آثار الحمل تركت مكان عبادتها وكما يعبر القرآن الكريم فانتبذت به مكاناً قصياً.
وجاء مريم (ع) المخاص، حيث ارتأت إرادة السماء أن يولد ابن مريم (س) قبل أن تمر دورة الحمل الإعتيادية وهي تسعة أشهر، هنا بقيت العذراء تساءل نفسها كيف لها أن تواجه الناس من بعد هذا الحدث وكيف تدرأ عن نفسها ما يمكن أن يوجه إليها من تهم، ومنها مثلاً تهمة الزنا وهي سلام الله عليها بريئة منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
نعم، داخل مريم (س) حزن شديد، ومن شدة حزنها قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً.
والآن إلى الدروس المأخوذة من هذا النص الشريف فهي:
- لا ريب أن الحمل له متاعب للمرأة، بيدأنه ينتهي بولادة سارة وسعيدة حيث يكون الوليد منشأ خيرات وبركات في الأسرة وربما في المجتمع، ومن هذا النمط ولادة الرسل والأئمة عليهم السلام والعلماء والصالحين من الناس.
- إن قيمة حياة الإنسان بعفته وطيب مولده، ومن هنا فإن الإختيار من الناس يفضلون الموت على هتك العرض، لا قدر الله.
حضرات المستمعين الأفاضل أحداث قصة عيسى (ع) سنتابعها في الحلقة القادمة، دمتم سالمين في أمان الله.