بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على حبيبه ونجيبه وخيرته من خلقه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، والسلام عليكم أعزائي المستمعين ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم الى حلقة أخرى من نهج الحياة وتفسير آخر آيات سورة الكهف، هذه الحلقة سنبدؤها بتلاوة عطرة للآيتين 107و108 من سورة الكهف:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴿١٠٧﴾
خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴿١٠٨﴾
أيها الأخوة والأخوات؛ لاحظنا في الحلقة السابقة من هذا البرنامج أن الآيات السابقة تحدثن عن حبط الأعمال وكيف يتم ويجعل بعض الناس من أصحاب الجحيم، وفي هاتين الآيتين نشير الى بعض الجماعة المضادة للكافرين، وهم المؤمنون والصالحون، وتذكر هاتان الآيتان أن الإيمان الصادق والأعمال الصالحة والحسنة تؤدي الى دخول الإنسان الى الجنة، فالجنة هي المنزل الأبدي للأبرار والصالحين ولا يرون فيها تعباً ولا نصباً، فلا يرغبون في منزل غيرها؛ واستناداً الى حديث نبوي شريف فإن للجنة درجات، وأعلى درجة فيها تدعى (الفردوس) والتي أشارت إليها هاتان الآيتان.
من هاتين الآيتين نستنتج:
- إن الجنة ثواب ولا ينالها الجميع، فدخول الجنة يستلزمه الإيمان القلبي والعمل الصالح ولايقبل إيمان دون عمل صالح، حتى إن كان الإنسان صالحاً ولكنه لايؤمن بالله جل وعلا فلن يبلغ الجنة.
- إن سعة الجنة ووفرة نعيمها وتنوعه بشكل بحيث لايمل منها أصحاب الجنة ولايرغبون بمكان آخر غيرها.
والآن مستمعينا الكرام، ننصت وإياكم خاشعين الى الآية 109 من سورة الكهف:
قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴿١٠٩﴾
بعد أن عرضت هذه السورة قصة أصحاب الكهف وقصة موسى مع الخضر(ع) وقصة ذي القرنين، أمر الله عزوجل النبي الأكرم (ص) أن يوضح للناس أمرين سواء المؤمنين منهم والكافرون، لذا بدأت هذه الآية والآية اللاحقة والتي هي الأخيرة من سورة الكهف بكلمة (قل).
وحتى وإن لم تذكر هذه الكلمة، فإنه لأمر جلي أن النبي (ص) لا يقول أي كلام من عند نفسه وأن جميع القرآن إنما هو وحي إلهي نزل على قلب محمد (ص) وجرى على لسانه.
وتشير هذه الآية الى أن لاحد ولاحصر لكلمات الله جل وعلا، ولا يستطيع البشر عدها، بحيث أنه لو كانت مياه جميع البحار حبراً، لما يسعها أن تكتب بها كلمات الله، بل كانت لتنفذ قبل أن تنتهي كلمات الله، ولكن ما هو معنى كلمات الله؟
من الواضح أن جميع المخلوقات، صغيرها وكبيرها، من الذرات الى الكواكب والنجوم العظيمة، كلها دلائل على وجود الله وكلمات كتاب خلق العالم، وكل الكتب المقدسة والكلمات التي أوحى الله بها الى الأنبياء هي كلمات إلهية؛ لذا عبر القرآن عن النبي عيسى (ع) بأنه (كلمة الله)، لأن وجوده معجزة إلهية.
من هذه الآية نستنتج:
- كل ما في الكون هو كلمة الله ودليل للعالمين على وجود الله جل وعلا، فإن رأت العين وسمعت الأذن هذه الكلمات، فستستفيد منها لطي مدارج الرشد والكمال.
- كلما تقدمت علوم البشر، تزداد المجهولات أمامه ولن يصل البشر أبداً في يوم من الأيام الى معرفة جميع العلوم.
والآن مستمعينا الأفاضل لننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآية 110 والأخيرة من سورة الكهف:
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿١١٠﴾
في هذه الآية الأخيرة من سورة الكهف أمر النبي (ص) أن يعلن للجميع أنه بشر مثلهم، والفارق الوحيد بينه وبينهم أن الله يوحي إليه، وأنه (ص) مأمور بإبلاغ الرسالة، وهذا الأمر لا يعني إلا الإبتعاد عن الشرك وعبادة الأصنام وتشجيعهم على القيام بالأعمال الصالحة والحسنة، فإن فعلتم ذلك (أي ابتعدتم عن الشرك وعملتم الصالحات) فإن الله سيرحمكم يوم القيامة ويكون بكم رؤوفاً ويدخلكم الجنة.
في هذه الآية هناك تأكيد على التوحيد ونبذ الشرك كي يدعو المؤمنين الى الإخلاص في عملهم ويحذرهم من الرياء والشرك الخفي.
من هذه الآية نستنتج:
- علينا أن لا ندعي أبداً أننا أعلى مما نحن عليه من درجة، فالأنبياء أيضاً يعرفون أنفسهم بأنهم بشر، وليسوا أعلى من البشر، وهذا هو الكمال بعينه؛ فإن الإنسان هو الذي يمكنه أن يصبح قدوة لبقية البشر، وليس الملائكة أو المخلوقات الأخرى.
- أن يرجو أحد دخول الجنة دون قيامه بعمل صالح، فهذا ما لايتحقق، فالرجاء الحقيقي يكمن في اجتهاد الإنسان وسعيه الحثيث من أجل دخول الجنة.
والآن مستمعي الأكارم نأتي الى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة وبهذه الحلقة نكون قد انتهينا من تقديم تفسير سورة الكهف فحتى لقاء قادم من هذا البرنامج وتفسير سورة أخرى نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.