بسم الله الرحمن الرحيم وبه تعالى نستعين إنه خير ناصر ومعين وصلى الله وسلم على نبينا الهادي الأمين المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، أعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم الى حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة؛ ومازلنا في تفسير سورة الكهف نقدمها لحضراتكم نرجو أن تعم الفائدة جميع من يستمع إلينا، ونبدأ هذه الحلقة بتلاوة عطرة للآية 102 من سورة الكهف، فلننصت إليها خاشعين:
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا ﴿١٠٢﴾
أيها الأخوة والأخوات، في الآيات السابقة لهذه الآية بينت بعض صفات الكافرين وأصحاب النار، أما هذه الآية ففيها تحذير للذين يعرضون عن رؤية وسماع الحق وكأنهم خلف حجاب فلا يفقهون شيئاً من الحق، حيث تبين لهم سوء عاقبة الذين أعرضوا عن ذكر الله واتخذوا من عباده أولياء واتبعوهم وهم يحسبون أنهم سيوصلونهم الى السعادة والفلاح ويبعدون عنهم الشر والمصائب والبلايا، وتشير الآية الى أن هؤلاء الذين تركوا عبادة الخالق واتجهوا الى عبادة المخلوقين ستكون حسرتهم عظيمة عندما يرون في يوم القيامة أن لا ملجأ ولا مأوى لأحد إلا الله ولا يفلح إلا من كان آمن بالله واتبع تعليمات الأنبياء.
من هذه الآية نستنتج:
- أن الكافرين ليس لهم دليل ولا برهان على نفي وجود الله عزوجل، بل اختاروا سبيل الكفر على أساس الظن فقط.
- ليس الكفر هو إنكار وجود الله وحده، بل إن طاعة أولياء غير الله أيضاً هو نوع من أنواع الكفر، لأنه لا شريك لله، فالمشرك هو كالكافر.
أيها الأخوة والأخوات، أما الآن فلننصت خاشعين لتلاوة عطرة للآيتين 103و104 من سورة الكهف:
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴿١٠٣﴾
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴿١٠٤﴾
هاتان الآيتان تشيران الى الذين يظنون أن أعمالهم صالحة وحسنة، سواء كانوا من أهل الكتاب الذين ابتلوا بالبدع والخرافات، أم من المسلمين الذين انحرفوا عن طريق الصواب واتبعوا من ليسوا لله بأولياء فأظلوهم عن الحق.
من الأخطار التي تهدد الإنسان، هو أن يتصور أنه يحسن صنعا ً عند ارتكابه للسيئات ويظن أنه سينجو يوم القيامة من عذاب الجحيم وسيكون من السعداء المفلحين، ولكن عندما يكشف عن عينيه الغطاء، عندها سيعرف أنه كان في غفلة من أمر الله وأن جميع جهوده قد ذهبت هباءاً منثوراً، لا شك أن أمثال هؤلاء قد خسروا آخرتهم ودنياهم، حيث أنهم باتباعهم لسادتهم وكبرائهم قد خسروا الدنيا، فلم ينعموا بها وحرموا من لذاتها وكذلك حرموا من الجنة والنعيم الأبدي يوم القيامة، هذه الآيات تحذر الإنسان من الوقوع في سوء الظن والإنحراف عن الحق والغفلة عن الحقائق وتحذره من اتباع الهوى والأوهام وعدم الإعتماد على العقل والوحي عند إقدامه على أي عمل.
من هاتين الآيتين نستنتج:
- إن العمل وبذل الجهود العظيمة لا ينجي الإنسان، فالمهم معرفة الطريق الصواب وطلب وجه الله عند عمل الأعمال الحسنة.
- لنكن واقعيين ولا نعتمد الظن والخيال وعلينا أن لا نعتمد على أنفسنا ونتكل عليها طرفة عين أبداً، فكم من أناس نسوا الله واعتمدوا على أنفسهم فأردتهم في جهنم.
والآن مستمعينا الأكارم لننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآيتين 105و106 من سورة الكهف:
أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴿١٠٥﴾
ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴿١٠٦﴾
هاتان الآيتان تحدثنا عن عاقبة الذين كانت عقائدهم أو أعمالهم منحرفة، فإن عاقبتهم جهنم، حيث أن أعمال هؤلاء حتى وإن كانت حسنة في الظاهر، ولكنها في يوم القيامة لايكون لها أي وزن وقيمة عند الله، لذا فلا حاجة لإقامة ميزان لأعمالهم يوم القيامة.
وأما (حبط العمل) فهو بمعنى تلفه وضياعه وإن حبط الأعمال الحسنة من الأخطار التي تواجه المحسنين، ومن أهم عوامل (حبط الأعمال) الكفر وإنكار الحق، مثلهم كمثل عامل الذي أطاع رئيسه وخدمه لسنوات طويلة ونفذ أوامره بكل دقة، ولكن في النهاية ترك رئيسه وهو يلعنه ويوجه له أقذع الشتائم؛ فأهذب هذا العمل الكريه ثواب خدمته لثلاثين سنة، فخرج خالي الوفاض وذهبت جهوده إدراج الرياح.
من هاتين الآيتين نستنتج:
- علينا أن لا ننظر لظاهر الأفعال، فقد يكون العمل عظيماً وجميلاً ظاهرياً ولكنه لاقيمة له في الباطن، كالطبل صوته يصم الأسماع وباطنه خالي.
- إن عاقبة الكفر والإستهزاء بأنبياء وآيات الله أن يذهب ثواب جميع الحسنات إدراج الرياح، فمصير الإنسان يعتمد على عاقبة أعماله في الدنيا.
الى هنا أعزائي المستمعين نأتي الى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة على أمل اللقاء بكم في حلقة قادمة نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله.