بسم الله الرحمن الرحيم وبه تعالى نستعين والصلاة والسلام على رسول اله العالمين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، أعزائي المستمعين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، معكم في لقاء آخر نستنير فيه بآيات الذكر الحكيم، وقد وصلنا للآية 57 من سورة الكهف، فلننصت اليها خاشعين:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ﴿٥٧﴾
علمنا من الآيات السابقة لهذه الآية من هذا البرنامج أن واجب الأنبياء هو وعظ الناس وإرشادهم ولا يحق لهم إجبار الناس على الإيمان، من الطبيعي أن العديد لايخضعون للحق ولايؤمنون به، ولكن بعضهم بالإضافة إلى كفرهم وإنكارهم يعمدون الى إهانة الأنبياء وأتباعهم والإستهزاء بهم كونهم قد عرفوا الحق، إلا أنهم أعرضوا عنه وأعرضوا عن كلام الله وتعاليمه، فمن الطبيعي أن هكذا أفراد لن يهتدوا لأنهم لايريدون أن يهتدوا، فما أوسع الهوة بين النائم والمتناوم، فالنائم يصحو إذا ناديته، أما المتناوم فلا يصحو من النوم المصطنع.
من هذه الآية نستنتج:
- ارتكاب الذنوب وعدم الإستغفار يؤدي الى ظلمة الروح وسواد القلب وإنكار الحقائق الدينية.
- إن حرمان الإنسان من القدرة على تشخيص الحقائق، هو عذاب إلهي يصيب الغافلين عن آيات الله.
والآن أيها الأخوة والأخوات لننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآيتين 58و59 من سورة الكهف:
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا ﴿٥٨﴾ وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا ﴿٥٩﴾
صحيح أن الآية السابقة أشارت الى الغضب الإلهي وإنه يسبب هلاك الظالمين والمجرمين في الدنيا، ولكن هذا يحدث في حالات معينة، فالقاعدة الكلية هي أن الله بسبب رحمته لايستعجل إنزال العذاب على الظالمين ومعاقبتهم على ارتكاب الذنوب، أي أن الله عزوجل، وحسب رحمته يمهل الظالمين لعلهم يكفّرون عن سيآتهم ويتوبون، ولكن إن لم يستثمروا هذه الرحمة الإلهية بإمهالهم فإنه سيحاسبهم عندها بعدله، جل وعلا، فيصيبهم العذاب كما كانوا يكفرون.
من هاتين الآيتين نستنتج:
- إن أساس تعامل الله مع عباده هو الرحمة، إلا أن يرفض الناس الرحمة الإلهية.
- على المجرمين أن لا يغرهم إمهال الله لهم وتأجيل العذاب، وعليهم أن لايستغلوا الفرصة التي يمنحهم الله إياها، إذ بعد انتهاء الفرصة لن يكون هناك منجى من عذاب الله.
- إن زوال الحضارات ناجم عن ظلم المجرمين وفسادهم.
- يجب أن لاييأس المظلومون من رحمة الله، كما أن المجرمين عليهم أن لا يفرحوا بالإمهال وتأجيل العذاب.
والآن مستمعينا الكرام لننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآيتين 60و61 من سورة الكهف:
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴿٦٠﴾
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ﴿٦١﴾
بهذه الآية تبدأ قصة النبي موسى والخضر (ع) التي فيها العديد من الدروس والعبر، كما ورد في التفاسير أن الله عزوجل أوحى الى موسى أن هناك من هو أعلم منك وهو الخضر، لذا أراد موسى (ع) لقاء الخضر والإستفادة من بحر علومه اللدنية الواسع.
أوحى الله الى موسى (ع) إنك ستلتقيه عند مجمع البحرين، واحمل معك سمكة أينما ذهبت، فأينما فقدت السمكة ستجده.
سار موسى (ع) مع يوشع حتى وصلوا قرب بحر، عندها أخلد موسى للنوم وبقي يوشع يقضاً، فرأى السمكة تحركت وقفزت الى البحر، ولما كان موسى (ع) نائماً لم يشأ أن يوقضه، وبعد أن استيقظ موسى (ع) نسي يوشع إخباره فمشيا، وعندما طلب موسى من يوشع أن يأتيه بغذاء، تذكر السمكة فأخبره بأمرها، فعزما على العودة الى تلك البقعة وهذا ما سنمر عليه في الآيات القادمة.
من هاتين الآيتين نستنتج:
- حتى الأنبياء يطلبون العلم ويبحثون عن العلماء ليكتسبوا من فيض علومهم، ومن أجل ذلك يتحملون عناء السفر.
- على طالب العلم أن يبحث عن العالم، ولايجلس بانتظاره، وعلى الإنسان أن يكد ويسعى ويبذل جهده من أجل تحصيل العلوم.
أعزائي المستمعين الى هنا نأتي الى ختام حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة على أمل اللقاء بكم في حلقة مقبلة نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.