بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي الأمين المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، أعزائي المستمعين سلام عليكم، معكم في حلقة اليوم في هذا البرنامج نبدؤها بتلاوة عطرة للآيتين 37و38 من سورة الكهف:
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴿٣٧﴾
لَّـٰكِنَّا هُوَ اللَّـهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ﴿٣٨﴾
عرضت الآيات السابقة لهاتين الآيتين حواراً بين شخصين أحدهما مؤمن والآخر كافر الأول فقير والثاني غني الآيات السابقة تناولت كلام الكافر المغرور المنكر ليوم القيامة، وفي هاتين الآيتين نستمع الى جواب صاحبه المؤمن ، وفيه يدعوه الى التواضع ونبذ التكبرويذكره أنه خلق من نطفة حتى أصبح الآن رجلاً ناضجاً، ويسأله فهل أنت الذي خلقت نفسك كي تصاب بهذا الغرور وتنكر وجود خالق خلقك من تراب ثم من نطفة؟ الطريف أن هذا الرجل الكافر لم ينكر وجود الله، وإنه أنكر يوم القيامة فقط، ولكن صاحبه المؤمن وصفه بالكفر حيث أن إنكار المعاد في الحقيقة هو إنكار لقدرة الله على خلق البشر ثانية، وهذه العقيدة تعني إنكار القادر المتعال.
من هاتي الآيتين نستنتج:
- أن التعلق بالمال والثروة يمهد السبيل أمام الإنسان للكفر بالمبدأ والمعاد، لذا علينا دائماً أن نحذر من الوقوع بهذا الفخ.
- عند محاورة الكفار يجب الإستناد الى منطق قوي كي نمهد السبيل لهدايتهم.
والآن أيها الأخوة والأخوات لننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآيات 39 الى 41:
وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّـهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا ﴿٣٩﴾
فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ﴿٤٠﴾
أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ﴿٤١﴾
واستمراراً لنصيحته للكافر، قال المؤمن ما مؤداه: لم لا تعترف أن جميع النعم التي تتنعم بها هي من رزق الله سبحانه وتعالى ولم لا تشكره عزوجل على هذه النعم، ألا تعلم أن لا شيئ يتحقق إلا بقدرة الله وفضله، وهل ظننت أنك أنت مالك هذا البستان وأشجاره وأنت الزارع الأصلي وأن لا دور لله عزوجل في خلق كل هذه الفاكهة والأشجار والنخيل؟ بل إن الزارع الأصلي هو الله جل وعلا وأنك لاتفعل شيئ سوى بذر البذور ورعايتها، وهذه أيضاً بالقوة التي وهبها الله لك، وإلا فإن الماء والتراب والحب والسحاب والأمطار والشمس والرياح، كلها تسير بمشيئة الله سبحانه وتعالى، فأنت وكل ما تملك هو من قدرة الله ولاقدرة حقيقية لك على الإطلاق إلا ما شاء الله.
وفي الآيتين 40و41 يحذره المؤمن بأن الله إن شاء بإمكانه أن ينعم علي ببستان أفضل من بستانك وأموال أكثر منك أو يرسل على بستانك صاعقة من السماء فتحترق، فلا تتعلق بها ولا تغتر بأموالك التي قد تحترق بصاعقة، أو تموت كل أشجارك وزرعك إثر جفاف يصيبها، فلا تجد لها ماءً تسقيها به مهما حفرت في الأرض.
من هذه الآيات نستنتج:
- علينا أن نذكر الله كلما رأينا طبيعة خلابة ومناظر بديعة، ولا نغتر عن ذكره.
- الإنسان المؤمن لايفقد الثقة بنفسه بسبب فقره وقلة ذات اليد ولايشعر بالحقارة، لأنه يتوكل على الله.
والآن أيها الأكارم لننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآيات 42 الى 44 من سورة الكهف:
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴿٤٢﴾
وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا ﴿٤٣﴾
هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّـهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ﴿٤٤﴾
بعد أن انتهى الحوار بين الرجلين المؤمن والكافر بإصرار الكافر على كفره وغروره وإنكاره لنعم الله سبحانه وتعالى عليه، أحاط غضب الله عزوجل ببستانه وزرعه وأتى على كل شيء فيه، بحيث أن الرجل الكافر عندما رأى ما آل إليه وضع بستانه، أخذته الحسرة على ما أنفق على هذا البستان وقد ذهبت أمواله أدراج الرياح ولم ينل حصاد جهوده التي بذلها، في ذلك الوقت أحس بخطأه وندم على كفره وهو يصفق يداً بأخرى ويقول لنفسه ليتني لم أكن من الغافلين ولم أتخذ لله شريكاً ولم أعبد من دونه أحداً، ولكن لم يعد الندم ينفعه ولايستطيع أحداً أن يعينه، هنا اتضح له أن الله عزوجل هو المهيمن على كل شيء وأن كل الأمور بيده كما أن الثواب والعقاب يوم القيامة بيده ولله عاقبة الأمور.
من هذه الآيات نستنتج:
- لا يقتصر عذاب الله وعقابه على الآخرة فلربما يحيط بالمغرورين والمتكبرين في هذه الدنيا أيضاً.
- إن طالبي الدنيا قد ينسون الله في تحليلهم لشؤونهم الإقتصادية وجمع الأموال والإستكثار منها، ولا يأخذون إرادة الله بنظر الإعتبار.
والآن أيها الأخوة والأخوات نأتي الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، على أمل أن نلتقيكم في حلقة قادمة ووقفة على آيات أخرى من كتاب الله العزيز، نستودعكم الله والسلام عليكم.