بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد الخلق في الأولين والآخرين أبي القاسم محمد وآله الأبرار.
السلام عليكم إخوة الإيمان في كل مكان، ها نحن وإياكم نعيش في ظلال الآيات الأخيرة من سورة الإسراء المباركة.
ولنستمع إلى تلاوة الآية السابعة بعد المئة من هذه السورة:
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴿١٠٧﴾
كما تتذكرون، في الحلقة الماضية أشرنا إلى أن القرآن الكريم نزل على مدى 23 عاماً، وهي الفترة التي عاشها الرسول الخاتم (ص) من بدء بعثته حتى أن لحق بالرفيق الأعلى.
الكفار إزاء هذا الأمركانوا يتذرعون ويقولون لماذا لم ينزل القرآن مرة واحدة؟
وفي هذا النص يبين الله تعالى أنه ليس بحاجة إلى إيمان مثل هؤلاء الذين يختلقون الذرائع والحجج ولا يمتلكون المنطق العقلي السليم، وعلى العكس من هؤلاء المعاندين فإن الذين عندهم علم بالكتب السماوية السابقة يقرون بأحقية القرآن وإنه من عند الله العزيز الحكيم، نعم.. إن مثل هؤلاء يسجدون أمام عظمة القرآن الكريم.
والمستفاد من هذا النص:
- ليس للكفر أو الإيمان أي أثر على أحقية القرآن وعلو شأوه، وإن يكفر من في الكون فإن الله غني حميد.
- إن العلم الحقيقي هو الذي يجعل الإنسان خاضعاً للحق لا أن يخالفه.
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الثامنة والتاسعة بعد المئة من سورة الإسراء المباركة:
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ﴿١٠٨﴾
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩ ﴿١٠٩﴾
المعروف أن التوراة والإنجيل قد بشرا ببعثة رسول الله (ص)، ومن هنا فإن من أهل الكتاب من اليهود والنصارى قد آمنوا بالإسلام، مثل هؤلاء كانوا أمام الحق خاشعين وكان خشوعهم يزداد كلما تلوا من آيات الله ويسجدون إليه تعالى ويسبحونه، ويأتي القرآن الكريم ليمجد هذا الدور الإيماني ويثني على هؤلاء المؤمنين.
أما ما يفيده هذا النص فهو:
- إن تلاوة القرآن تؤثر في القلوب المؤمنة أو المفعمة بالإيمان حتى أن أصحابها يخرون لله سجداً.
- إن تلاوة القرآن تسمو بالإنسان المؤمن إلى حيث عالم الكمال.
- إن البكاء من خشية الله تعظيماً له تعالى أمر قيم حال العبادة لا سيما حين السجود.
ويقول تعالى في الآية العاشرة بعد المئة من سورة الإسراء:
قُلِ ادْعُوا اللَّـهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَـٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا ﴿١١٠﴾
جاء في الروايات أن الرسول (ص) كان يدعو في المسجد الحرام وكان يقول يا الله ويا رحمن، فتصور البعض أنه، حاشاه، يعبد إلهين ونزلت هذه الآية لتبين للناس أن الله إله واحد وأن له تعالى الأسماء الحسنى؛ ومن هنا فيمكن للإنسان أن يدعو الله بأي من أسمائه الحسنى.
وكان المشركون ينشدون قصائداً بصوت عال حينما كان النبي (ص) يؤدي صلاته وكان أصحاب النبي (ص) لايسمعون قراءته حينما كان صوته الكريم منخفضاً، وجاءت هذه الآية لتحث على القراءة بصوت غير عال لكنه مسموع.
وعلى أي حال فإن الدين الإسلامي الحنيف له أحكام خاصة بالعبادات، ومنها الصلاة والقراءة فيها.
وأما الدروس المأخوذة من هذا النص فهي:
- إن أفضل الأسماء هي أسماء الله الحسنى.
- إن الإسلام هو الدين الوسط وخير الأمور أوسطها.
والآن نصغي إلى الآية الحادية عشرة بعد المئة من سورة الإسراء المباركة وهي آخر آية في هذه السورة:
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴿١١١﴾
إن بعض سور القرآن الكريم تبدأ بتسبيح الله تبارك وتعالى وقد بدأت سورة الإسراء بتسبيح الله وانتهت بحمده جلت قدرته وتكبيره؛ إن هذه الآية تنزه الله عن الشريك فهو تعالى شأنه لاشريك له وليس له صاحبة ولا ولداً وليس كمثله شيء تبارك ربنا العظيم.
إن الله تعالى بكل هذه الصفات هو أهل للعبودية، على أن ذكر الحمد لله ولا إله إلا الله وسبحان الله والله أكبر، من الأمور التي أوصى الله تعالى بها نبيه (ص) وسائر المؤمنين، وإذا كان هذا هو أول درس نستفيده من هذه الآية المباركة فإن الدرس الثاني المأخوذ منها هو أن الله تعالى فرد صمد لم يلد ولم يولد، إذاً علينا أن ننزه الله تعالى ونكون له عباداً مخلصين.
هكذا –حضرات المستمعين الأفاضل- أنهينا بعون الله وقوته وفضله ومنته، تفسير سورة الإسراء المباركة، وقد جاء هذا التفسير الموجز والسهل اليسير على مدى ثلاثين حلقة، قدمت لكم عبر أثير الإذاعة العربية في طهران.
نسأل الله أن يتقبل منا هذا القليل ويجعله ذخراً ليوم الفاقة يوم وفودنا عليه إنه أكرم مسؤول ومجيب والحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وآله الطاهرين، والسلام عليكم حضرات المستمعين الأفاضل ورحمة الله وبركاته.