بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد المصطفى سيد الأنبياء والمرسلين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. السلام عليكم مستمعينا الكرام وأهلاً بكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة، ونبدأ فيها بتفسير الآية العشرين بعد المئة من سورة النحل التي نستمع إلى تلاوتها أولاً:
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّـهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٢٠﴾
بعد أن بينت آيات من سورة النحل النعم الإلهية، تأتي الآيات الأخيرة من هذه السورة لتتحدث عن بعض عباد الله الشاكرين، ومن هؤلاء العباد الشاكرين والمطيعين لله، سيدنا ابراهيم على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام، هذا النبي الكريم كان موحداً عابداً لله الواحد الأحد، وتأتي هذه الآية المباركة لتعرفه بأنه أمة لوحده، ولعل السبب في تعبير القرآن الكريم بالأمة بالنسبة لسيدنا ابراهيم عليه السلام قد جمع في شخصيته الجليلة من الكمالات والفضائل ما تجمعه أمة برمتها.
أو أن هذا التعبير جاء لأنه عليه السلام دعى أمة كاملة إلى التوحيد ووقف بوجه الشرك وعبادة الأصنام.
والذي نتعلمه من هذه الآية هو:
- ليست العبرة في الكثرة والكمية، فقد يكون إيمان شخص واحد وثباته على المبادئ الحقة معادلاً لإيمان أمة بكاملها، وفي طريق الإيمان قد لا يكون الكثير من الناس، ومع هذا لابد من سلكه والمضي فيه، أليس أمير المؤمنين علي عليه السلام يقول [لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة سالكيه].
- إن قيمة الإنسان هي في عبوديته الخالصة لله تعالى وإطاعة الباري تعالى وأوامره.
ويقول تعالى في الآيتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين بعد المئة من سورة النحل المباركة:
شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿١٢١﴾
وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١٢٢﴾
في الآية السابقة تحدث القرآن الكريم عن بعض خصائص شخصية النبي ابراهيم عليه الصلاة والسلام، ويأتي هذا النص يحدثنا عن دور ابراهيم عليه السلام في إعلاء كلمة التوحيد وبعثته ونبوته.
كان ابراهيم عليه السلام عبداً شكوراً واختاره الله تعالى من بين عباده ليتبوأ منصب النبوة والرسالة، ومن الطبيعي أن من يهديه الله إلى الإيمان له السعادة في الدارين الدنيا والآخرة.
ومن الواضح أن المنزلة الرفيعة التي منحها الله تعالى لسيدنا ابراهيم عليه السلام، كانت بسبب توفر الإستعداد واللياقة لمقام النبوة السامي في شخص هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
إن القنوت والحنيفية والشكر هي صفات أحرزها سيدنا ابراهيم عليه السلام حتى وصل إلى مرحلة النبوة.
وما يستفاد من هذا النص:
- إن الطاف الله الخاصة تشمل الإنسان عندما يكون مؤهلاً لذلك.
- إن الهداية للشاكرين وهي تحميهم من الوقوع في الزلات والسقوط إلى الهاويات.
والآن نستمع وإياكم إلى تلاوة الآية الثالثة والعشرين بعد المئة من سورة النحل المباركة:
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٢٣﴾
لقد بعث الله تعالى 124 ألف نبي ورسول إلى العالمين، وأول هؤلاء الصالحين سيدنا آدم عليه السلام، وآخر هذه الصفوة سيدنا محمد بن عبد الله (ص).
من مزايا دعوة سيدنا ابراهيم عليه السلام أن دعوته كانت بفضل الله تعالى دعوة عالمية، ومن هنا نلاحظ أن الكثير من السنن الإسلامية مأخوذة من سنن سيدنا ابراهيم عليه السلام وأن رسول الله (ص) كان يقول: (أنا دعوة أبي ابراهيم عليه السلام).
وما يمكن أن نتعلمه من هذه الآية:
- إن طريق وهدف جميع الأنبياء عليهم السلام واحد، ومن هنا جاء الأمر الإلهي للأنبياء (ع) الذين جاءوا بعد خليل الرحمن لأتباع سنة ابراهيم وملة ابراهيم والحنيفية البيضاء.
- إن الشرك لخطر جسيم، إن الله تعالى وفي العديد من الآيات يؤكد أن سيدنا ابراهيم عليه السلام لم يكن مشركاً.
والآن نستمع إلى الآية الرابعة والعشرين بعد المئة من سورة النحل المباركة:
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿١٢٤﴾
في النص السابق أمر الله تعالى الأنبياء (ع) من بعد ابراهيم باتباع سنة خليل الرحمن، ومن سننه عطلة يوم الجمعة.
ومن هنا يأتي هذا السؤال، إذا كان موسى عليه السلام على ملة ابراهيم عليه السلام فلماذا اختار اليهود يوم السبت تعطيلاً؟
وتأتي هذه الآية في مقام الجواب على السؤال انف الذكر من أن اختيار السبت عطلة، كان لعقاب اليهود، وفي هذا الأمر اختلف اليهود كذلك، أي أن البعض انصاع لهذا الأمر الإلهي فعطل أعماله يوم السبت والبعض عصى ولم يعطل أعماله في السبت.
ويستفاد من هذا النص:
- إن بعض الأحكام الإلهية بالنسبة للماضين من الأقوام قد وضعت عقاباً لهم، وعليه فإن مثل هذه الأحكام لم تكن ولا تكون الزامية لكل الأقوام.
- إن الله تعالى هو أحكم الحاكمين وإن أفضل حكم هو في يوم الجزاء يوم ينظر المرء ما قدمت يداه وتجزى كل نفس بما كسبت ولا يظلمون فتيلاً.
حضرات المستمعين الأفاضل هكذا انتهت هذه الحلقة من نهج الحياة، دمتم في أمان الله وحفظه.