بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين وأفضل صلواته وأزكى تسليماته على سيد الخلق أجمعين أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطاهرين؛ السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم واهلاً بكم في حلقة أخرى من سلسلة حلقات برنامج نهج الحياة، ونواصل تفسيرنا الموجز لآيات القرآن الكريم.
والآن نستمع الى تلاوة الآيتين الخامسة والثمانين والسادسة والثمانين من سورة النحل:
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ﴿٨٥﴾
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ ۖ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿٨٦﴾
يوضح هذا النص القرآني وضع المشركين والظالمين يوم القيامة، حيث لا تأخير ولا تخفيف في عذاب هؤلاء الذي يستحقونه يوم الجزاء، ذلك أنه في يوم الحساب لا يقبل من أحد أي تبرير لكفره وشركه وأن الذي يراه الإنسان يوم الحساب أعماله، سواء كانت حسنات أو سيئات، وفي يوم القيامة وبإذن الله تعالى تنطق الأصنام والأوثان وتقول للمشركين أنكم كاذبون، الأصنام تقول للكفار إن عنادكم وشهواتكم قادتكم الى عبادتنا من دون الله، أي أن المشركين قد عبدوا أهواءهم، ويتجلى هذا المعنى في قوله تعالى؛ (أرأيت من اتخذ إلهه هواه).
ويستفاد من الروايات والأحاديث الواردة بشأن يوم القيامة أن مواقف هذا اليوم العصيب متفاوتة، حيث من الممكن أن يختم على أفواه البعض وتنطق جوارحهم بما فعلوا، وفي بعض المواقف يسمح للعباد بالكلام، لكن لا يقبل منهم أي عذر يبرر ما فعلوا من سيء الأعمال، البعض قد يلقي يوم الجزاء ما كسب من سيئات على الشيطان، وهنا يرد الشيطان: ما كان لي عليكم من سلطان إلّا أن ألقيت الوسواس في نفوسكم وأنتم الذين الى الخطيئة اتجهتم والمعصية ارتكبتم.
والمستفاد من هذا النص الشريف:
- إن العذاب الإلهي يطال الإنسان لكفره وظلمه وما ربك بظلام للعبيد.
- إن الأصنام التي يعبدها المشركون تتنكر لهم يوم القيامة ولا تفيدهم في شيء كما أنها لا تفيدهم في الدنيا وإن كان المشركون عليها عاكفون.
ويقول تعالى في الآيتين السابعة والثمانين والثامنة والثمانين من سورة النحل المباركة:
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّـهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ ۖ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٨٧﴾
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ ﴿٨٨﴾
يشير هذا النص القرآني الى عاقبة الكفار والمشركين في يوم القيامة، فبعد أن تتبرأ الأصنام من المشركين، لا يبقى أمامهم سوى قبول الحق، إلّا أنهم في ذلك المشهد العظيم يبدون منكوسي الرؤوس إذ ليس لهم إلّا الذل والهوان وذلك بما كسبت أيديهم، وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، صدق الله العلي العظيم.
أما المشركون الذين هيأووا الأجواء لشرك وكفر الآخرين فلهم عذاب أشد لأنهم في الحقيقة قد ارتكبوا معصيتين الأولى شركهم والثانية جر الآخرين الى هذا الكفر والشرك.
والذي نتعلمه من هذا النص:
- إن من يرفض التسليم أمام إرادة الله تعالى في الدنيا لا فائدة ولا جدوى من تسليمه أمام ذات القدس الربوبي يوم القيامة.
- إن الكفر والشرك يعدان الأرضية للفساد في المجتمع، وبعبارة أخرى في الإمكان القول أن المفسدين في الأرض ليسوا فقط اولئك الذين يثيرون الإضطرابات الأمنية بين الناس، بل من مصاديق الإفساد في الأرض إثارة الإضطرابات الفكرية والعقائدية بين الناس وجرهم الى المهاوي.
والآن نصغي الى تلاوة الآية التاسعة والثمانين من سورة النحل المباركة وهي قوله تعالى:
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿٨٩﴾
تشير هذه الآية الكريمة الى موضوعين مهمين هما؛ الأول حضور الشهود يوم القيامة وحضور النبي (ص) شاهداً على كل الشهود، وفي هذا دلالة على سمو مكانة الرسول الأكرم (ص) إذ أنه صلوات الله عليه وعلى آله، خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضل السفراء المقربين.
نعم.. إن الأنبياء عليهم السلام هم بإذن الله على علم بباطن الناس وظواهرهم وسلوكياتهم المختلفة، والموضوع الثاني المشار إليه هنا هو عظمة القرآن الكريم ودوره الفاعل في هداية الناس الى سواء السبيل، وفي القرآن الكريم تبيان كل شيء، ومن أسماء القرآن، الفرقان، لأنه يفرق بين الحق والباطل، أي يحدد معالم الحق وعلائم الباطل لكي يكون الإنسان على بصيرة من أمره، وهذا كله من لطف الله تبارك وتعالى بالإنسان، على أن الذين آمنوا حقاً بالرسالة الخاتمة والقرآن هم الذين نالوا الهداية والبشارة بالرحمة الإلهية، وما نستفيده من هذا النص:
- إن إشراف أولياء الله تعالى على أعمال العباد في الدنيا هو الذي يجعلهم الشهود عليهم يوم القيامة.
- إن القرآن الكريم كتاب سماوي فيه تبيان كل شيء للناس، إذن لنعمل بهذا الكتاب وننور قلوبنا بنوره.
أن يكون مسك الختام الحديث في هذه الحلقة، قول للإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه، حيث يقول:
[واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشى والهادي الذي لا يضل والمحدث الذي لا يكذب وما جالس هذا القرآن إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى ونقصان من عمى، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على أعدائكم].