بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على النبي الصادق الأمين سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطاهرين، السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلاً بكم في حلقة جديدة من نهج الحياة ولازلنا في رحاب سورة النحل المباركة، وكنا قد فسرنا 80 آية منها بعون الله، والآن نستمع الى الآية الحادية والثمانين من هذه السورة:
وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴿٨١﴾
كما تتذكرون في بعض من حلقات البرنامج الماضية تحدثنا عن العديد من نعم الله تعالى على الإنسان، مثل الماء والمطر والعسل والحيوانات والطيور وما الى ذلك، ومن نعم الله كما يبدو من هذه الآية، نعمة الظل، والظل من الناحية الفيزيائية يحصل حينما يكون هناك جسم معتم في مسير حركة الضوء، أما في الأجسام الشفافة مثل الهواء والماء والزجاج فلا ظلال.
فالحق أن الظل نعمة كبيرة إذ في الإمكان الركون إليه حين التعب والإستراحة فيه بعيداً عن وهج الشمس وحرارتها اللافحة، وبعبارة أخرى فإن الظل لا يقل في دوره عن دور الضوء في حياة الإنسان.
ومن نعم الله الأخرى على الإنسان نعمة وجود الغيران (جمع غار) وهي إما صغيرة أو كبيرة التي تتواجد في الجبال، ونعمة السكن سواء للحضر أو الرحل، قد أشار اليها القرآن الكريم على أن الكثير من الناس وفي الأزمنة السحيقة كانوا يتخذون من الغيران أماكن لسكناهم، وحتى اليوم يستفاد من هذه الأماكن في بعض المناطق لحفظ الحيوانات والمواشي من الحر والبرد.
وثالث نعمة إلهية يشير إليها هذا النص، نعمة الملابس، بما فيها الملابس الإعتيادية التي تقي الإنسان الحر والبرد والملابس الحربية التي تقي الإنسان سهام الأعداء وضرباتهم في الحرب وغيرها.
وما يستفاد من هذا النص الشريف:
- كل شيء هو نعمة من نعم الله؛ النور أو الضوء، والظل والسكن والملابس وما إليها. نعم .. إن نعم الله علينا جمة وكثيرة ولاينبغي أن ننساها كبيرة كانت أم صغيرة.
- إن تذكر النعم الإلهية يحيي في الإنسان روح التسليم لله تبارك وتعالى.
ويقول تعالى في الآيتين الثانية والثمانين والثالثة والثمانين من سورة النحل المباركة:
فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿٨٢﴾
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّـهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٣﴾
في هاتين الآيتين خطاب للرسول الأكرم (ص) يبين أن واجبه هو إبلاغ آيات الله والوحي الإلهي، ويواسي النص الرسول الخاتم وأن لا يحزن إذا ما لم يؤمن البعض بالدين الحق، ذلك أن مثل هؤلاء هم من المعاندين الذين يعون آيات الله ونعمه، لكن إياها ينكرون وفي غيهم يتمادون. وفي العديد من آيات الذكر الحكيم وردت إشارة الى أن منشأ الكفر في الكثير من الأحيان الكبر والعناد لا عدم معرفة الحق.
وما يفيده إيانا هذا النص:
- أن الله جعل الإنسان حراً في اختيار مسلكه، ولا ريب أن لكل طريق نهاية، فنهاية طريق الإيمان، الفلاح والرشاد. ونهاية طريق الكفر، الضلال والفساد.
- العلم والمعرفة لوحدهما ليسا كافيين، إذ لابد من الإيمان والعمل معهما.
والآن الى الآية الرابعة والثمانين من سورة النحل المباركة حيث يقول تعالى:
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴿٨٤﴾
تشير هذه الآية الى موضوعين لهما ارتباط بيوم القيامة أو يوم الحساب؛ الموضوع الأول: الشهود يوم القيامة، والموضوع الثاني: الإعتذار يوم القيامة.
من كل أمة يوم الجزاء شهود على أعمالهم وأقوالهم لإتمام الحجة عليهم.
ويستفاد من بعض الأحاديث الشريفة أن أئمة الهدى من أهل بيت العصمة والطهارة عليهم أفضل الصلاة والسلام، هم شهود على الناس يوم القيامة، لأنهم صلوات الله عليهم حجج الله على العباد في كل زمان ومكان. وليس للمذنبين والآثمين يوم القيامة أي مجال للإعتذار بما بدرت منهم من أعمال السوء، حيث لامجال للإعتذار في ذلك اليوم ولا فسحة للتوبة، حيث يؤتى كل إنسان كتابه، سواء بيمينه أو شماله، ومن أوتي كتابه بشماله يقول ياليتني لم أوت كتابية، نعم.. إن يوم القيامة هو اليوم الذي ينظر فيه المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت تراباً ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
والذي نتعلمه هنا:
- في محكمة العدل الإلهي، ومثل المحاكم الرائجة بين البشر، لابد من توفر الشهود وحضورهم، علماً أن الله تعالى هو الحاكم العادل الذي لا يظلم أحداً.
- ليس يوم الحساب مكان للتوبة أو إرضاء ذي الحق، حيث أنه بحلول يوم القيامة يفوت أوان الإنابة، وما أجدر بالإنسان وهو في الحياة الدنيا أن يفي الى ظلال بارئه ويستغفره ويتوب إليه لأنه تعالى العفو الغفور والتواب الرحيم.
غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم.