البث المباشر

تفسير موجز للآيات 48 الى 52 من سورة النحل

الأحد 1 مارس 2020 - 05:48 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 448

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الصادع بالشرع القويم والدليل الى الصراط المستقيم نبينا ومولانا أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطاهرين. والسلام عليكم – حضرات المستمعين – الأكارم وأهلاً بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة ونبدأ فيها بتفسير الآية الثامنة والأربعين من سورة النحل المباركة حيث يقول تعالى شأنه:

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللَّـهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِّلَّـهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ﴿٤٨﴾

تشبه هذه الآية الكريمة سقوط ظل الأشياء على الأرض بالسجود لله تبارك وتعالى، والسجود في اللغة نهاية الخضوع وهذا الخضوع لابد أن يكون لله وحده لا لغيره، نعم.. كل شيء لله خاضع، ليس المخلوقات وحسب بل ظلالها وأفيائها كذلك، ومن الواضح أن المخلوقات كافة تابعة للقوانين والمقررات الإلهية وإرادة الله التكوينية، وليس لها أن تتخلف عن هذه القوانين والمقررات أو أن تتخطاها وتتجاوز حدودها، وما يستفاد من هذه الآية:

  •  إن نظام التكوين بما فيه من مختلف الأشياء تابع لإرادة الله وقدرته تعالى.
  •  إن كل الوجود يسجد لله ويسبحه، فلماذا يمتنع البشر عن تعظيم الخالق العظيم من خلال السجود له والتواضع أمام ذات قدسه؟

والآن نستمع الى تلاوة الآيتين التاسعة والأربعين والخمسين من سورة النحل المباركة حيث يقول الباري تباركت أسماؤه:

 

وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴿٤٩﴾ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ۩ ﴿٥٠﴾

يأتي هذا النص الشريف مكملاً النص الذي سبقه ويوضح أن كل ما في السموات والأرض لله تعالى ساجدون بما في ذلك ملائكة السماء، إذ أنهم للباري تعالى يسجدون وبحمده يسبحون وعن الخضوع له لايستكبرون، سبحان ربنا ذوالعزة والجلال.

وفيما يتعلق بسجود الموجودات والمخلوقات، توجد لدى المفسرين رؤيتان، الرؤية الأولى هي أن السجود لله تعالى بمعنى التسليم لإرادة الله وقوانين عالم الوجود. والرؤية الثانية ترى السجود حقيقياً هو على أساس الشعور والإدراك حتى وإن كنا نحن بنو الإنسان لا ندرك ذلك.

ويستفاد من آيات القرآن الكريم أن الرؤية الثانية هي الأقرب في إطار المفهوم القرآني، حيث أن بعض من آيات القرآن تؤشر على هذا المعنى وتبين الإنسان بأنه أعجز من أن يحيط علماً بكنه السجود والتسبيح، علماً أن السجود بالمعنى الذي جاء في الرؤية الأولى قابل للفهم والإدراك.

إذن من بعد كل ما ذكرنا، يكون المراد من السجود هو ما يأتي عن شعور، وبعبارة أدق الشعور الغريزي لا الشعور الإكتسابي، أي أن الأمر قائم على فطرة الإنسان التي فطره الله عليها.

وما يمكن أن نأخذه من دروس من هذا النص القرآني الشريف هي:

  • ليس الإنسان لوحده في هذا الكون وإن سكن الأرض لوحده بل هناك موجودات أخرى في الكواكب الأخرى.
  •  إن خوف أغلب الناس من الله إنما ينشأ عن الذنوب والخطايا التي يرتكبونها، لكن خشية الملائكة من الله تعالى تعظيماً له وتبجيلاً، وهذا هو دأب الأنبياء والرسل الصالحين، صلوات الله عليهم أجمعين، الذين يتمتعون بالعصمة ولاتتخذ الذنوب الى نفوسهم سبيلاً رغم أنهم من الناس.
  • إن الملائكة خلقهم الله تعالى وقربهم الى ذات قدسه وأوكل إليهم المهام والأعمال كالوحي وتسجيل أعمال الإنسان وقبض أرواح البشر والى غير ذلك.

ويقول تعالى في الآية الحادية والخمسين من سورة النحل المباركة:

وَقَالَ اللَّـهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَـٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴿٥١﴾

إن الله هو الخالق المطلق واحد أحد، فرد صمد لم يلد ولم يولد وهو الجدير أن يعبد لا غير.

إن عبادة الله الواحد الأحد والتوجه إليه تجعل الإنسان لا يخاف إلا الله، وفي الخوف من الله أو حسب التعبير القرآني الخشية من الله، تجعل الإنسان دقيقاً في أداء تكاليفه الشرعية والله تعالى يقول إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ.

ومما يستفاد من هذه الآية:

  •   إن الإعتقاد بوجود إله الخير وإله الشر، إعتقاد باطل لا أساس له إطلاقاً وحسب تعبير القرآن الكريم في خطاب النبي الكريم، قل كل من عند الله، حتى وإن كان حسب رؤيتنا الناقصة شراً.
  •  الخوف من غير الله تعالى نوع من أنواع الشرك وعلى هذا فإن الإنسان المؤمن لايخاف إلا الله.

ويقول تعالى في الآية الثانية والخمسين من سورة النحل المباركة:

وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ۚ أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَتَّقُونَ ﴿٥٢﴾

نعم.. لا خالق إلا الله ولا مشرع إلا هو تبارك وتعالى، إذن لماذا الخوف من غير الله ولماذا التعظيم لغير الله؟

والدروس التي نأخذها من هذا النص الكريم:

جعلنا الله وإياكم من الراكعين والساجدين ولله ورسوله من المطيعين، آمين رب العالمين.

المستمعين الأفاضل، هكذا انتهت هذه الحلقة من سلسلة حلقات نهج الحياة، نستودعكم الله والسلام خير ختام.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة