بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير الأنبياء وأشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، والسلام عليكم أعزائي المستمعين ورحمة الله وبركاته، وأهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة والتي سنبدؤها بتلاوة عطرة للآية 36 من سورة الرعد، فلننصت اليها خاشعين:
وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ۚ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّـهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ﴿٣٦﴾
في هذه الآية يوجه الخطاب الى رسول الله (ص) أن لا تحسب أن الناس جميعا سيستجيبون لدعوتك ويؤمنون بتعاليم الكتاب الذي أنزل عليك، بل أن البعض منهم يؤمن به والبعض الآخر ينكره ويكفر به. ولكن لا تقنط من كفرهم وعدم ايمانهم، فحتى إذا كفر الناس جميعا، فلا تكف عن الدعوة وأعلن بأعلى صوتك إنك لا تعبد سوى الله، لأن مآب جميع الخلق اليه، وأنا لا أدعوكم الى الله لأني أريد التسيّد عليكم، فأنا أدعوكم الى الإيمان بالله ولا أريد أجرا. ومن الطبيعي أن نجد في إزاء هذه الدعوة وهذا الكلام أن يؤمن بالرسول (ص) بعض أهل الكتب والأديان السابقة ولكن البعض الآخر ينكر القرآن ونبوة الرسول (ص) ولا يؤمن به ويصر على البقاء على دينه.
من هذه الآية نستنتج:
- لنحذر من أن نتعصب لأحزابنا بدلا من التعصب للحق، فالأصل هو الحق وليس الحزب والجماعة.
- علينا الإيمان بكافة أحكام ديننا، لا أن نؤمن ببعض ونكفر ببعض فإنكار بعض أحكام الدين هو بمثابة إنكار للدين كله.
والآن أيها الأخوة والأخوات لننصت واياكم خاشعين الى تلاوة عطرة للآية 37 من سورة الرعد:
وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّـهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ ﴿٣٧﴾
تتمة لما ورد في الآية السابقة من إنكار المشركين للقرآن الكريم يتوجه الباري عزوجل للمؤمنين بالنصيحة أن لا يؤدي الكفر وإنكار المشركين للقرآن والتعاليم الإسلامية الى زعزعة ايمانكم، لأن هذا الكتاب قد بين لكم بكل وضوح الفرق بين الحق والباطل وفصّل الأحكام الإلهية وجاءكم بالحكم الإلهية كي يثبت قلوبكم على الحق. فإن تراجعتم ذرة عن عقيدتكم بهدف كسب قلوبهم واستمالتهم اليكم فإنكم ستعرضون أنفسكم لعذاب شديد وعندها لن يستطيع الذين تنازلتم لأجلهم عن عقيدتهم أن ينجوكم من عذاب الله.
من هذه الآية نستنتج:
- إن أسوأ من إتباع هوى النفس، اتباع أهواء الآخرين.
- كم من الناس كانوا ذوي علم وفهم وإدراك انحرفوا لإتباعهم أهواءهم.
والآن أيها الأكارم لننصت واياكم خاشعين الى تلاوة الآية 38 من سورة الرعد:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۗ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴿٣٨﴾
يحسب الكافرون والمشركون أن النبي (ص) يجب أن تكون له حياة تختلف عن الناس، وأن يأتيهم بأي معجزة يطلبونها منه. هذه الآية وإن كانت تخاطب الرسول (ص) إلا أن الخطاب في الآية موجه لأولئك الكفار والمشركين عندما توضح أن جميع الأنبياء كانوا بشرا مثل سائر الناس، ولدوا من أب وأم واتخذوا أزواجا ورزقوا بذرية، وكل معجزة جاءوا بها، إنما كانت بمشيئة الله سبحانه وتعالى وليس تلبية لطلب الناس ونزولا عند رغباتهم.
رغبات الناس لا حد لها ولا حصر والكثير منهم يطلبون أمورا تخالف الجريان الطبيعي للأمور. من يبحث عن الحقيقة يؤمن بمجرد رؤيته لمعجزة واحدة، والمعاند لا يؤمن حتى بعد رؤية عشرات المعجزات ويتذرع بشتى أنواع الذرائع، كما أشارت هذه الآية الى أن الله سبحانه وتعالى قد شرع لكل فترة شريعة تناسبها، تنسخ بمجيء النبي التالي ليبدأ العمل عندها بالشريعة الجديدة.
من هذه الآية نستنتج:
- علينا أن نبتعد عن الإفراط والتفريط في تعاملنا مع الأنبياء، فلا نظنهم شعراء ومجانين كظن الكافرين بهم، ولا نسبغ عليهم صبغة الألوهية كما فعل بعض أتباعهم.
- إن معجزات الأنبياء كتعاليمهم، لم يأتوا بها من عند أنفسهم، بل كلها من الله عزوجل، والأنبياء ليسوا إلا واسطة لإيصال تعاليم الله الى البشر وعرض المعجزات عليهم.
والآن أيها الأكارم نأتي الى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة على أمل اللقاء بكم في حلقة قادمة نستودعكم الله والسلام عليكم.