بسم الله الرحمن الرحيم أعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم الي حلقة أخري من برنامج نهج الحياة وسنبدؤها بتلاوة عطرة للآية 84 من سورة هود، فلننصت اليه خاشعين:
وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ﴿٨٤﴾
بعد سرد ما آل اليه مصير قوم نوح وقوم هود، تذكر هذه الآيات قصة إرسال نبي الله شعيب (ع) الي منطقة تدعي مدين تقع في شرق خليج العقبة، ودعوته اهل تلك المدينة والديار لعبادة الله وإنذارهم من نقص المكيال والوزن خلال تعاملهم. إن اساس دعوة الأنبياء هو التوحيد وعبادة الله وحده لاشريك له، وفي حالة الإستجابة له يتحرر الانسان من عبادة الطواغيت والأهواء والرغبات النفسية ويتجهون الي طاعة الله، وهكذا انسان لن يتجاوز حدوده ولن يتعدي علي حقوق الآخرين.
طبعا لانعني بعبادة الله الصلاة له والدعاء فقط، بل رعاية القوانين الإلهية سواء في حياتنا الفردية أو الاجتماعية وفي جميع أبعاد الحياة أيضا كالأمور الاقتصادية، فهذا من متطلبات الايمان بالله عزوجل.
لذا فإلي جانب دعوته لعبادة الله نهي نبي الله شعيب (ع) الناس علي ارتكاب قبيح الأفعال في بيعهم وشرائهم ونهاهم عن انقاص الكيل وحذرهم من عواقبه ومن عذاب الله. من الواضح أنه انتشرفي كل عصر وفي كل منطقة انواع من الفساد والمنكر بين الناس بشكل خاص ولذلك فقد تصدي كل نبي لمكافحة ذلك النوع من الفساد في عصره وفي دياره. فكما تفشي الانحراف الجنسي في قوم لوط فإن الفساد الاقتصادي كان الاكثر رواجا في قوم شعيب.
من هذه الآية نستنتج:
- لايكتفي الانبياء بتوضيح المسائل العقائدية والوصايا الاخلاقية، بل يتصدون ايضا للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية.
- إن الايمان بالمعاد وبيوم القيامة عامل رادع عن ارتكاب المنكرات والافعال السيئة في جميع المجالات.
والآن أيها الأخوة والأخوات لننصت واياكم خاشعين الي تلاوة الآية 85 من سورة هود :
وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٨٥﴾
وقد حذرشعيب (ع) قومه من نقص الكيل وأكد عليهم أن يكونوا عادلين وكان يؤكد عليهم أن إنقاص الكيل نوع من الفساد في الأرض وأن من يفعل ذلك هو من المفسدين لأن آثارها تنتشر في أرجاء الأرض.
وتقسم المعاصي الي قسمين؛ منها ما يلحق ضررها بالانسان ويكون تأثيرها علي الآخرين قليل وضئيل، ولكن بعض المعاصي ينتج عنها ظلم الآخرين وضياع حقوقهم وهذه الذنوب تعتبر عند الله أشد من النوع الاول. وقد أكد الله عزوجل أنه إن يتجاوز عن النوع الأول من الذنوب فلن يتجاوز عن النوع الثاني إلا إذا رضي المظلومون.
من هذه الآية نستنتج:
- يجب أن يستند اقتصاد المجتمع علي اساس القسط والعدل، ويجب أن ترعاي حقوق جميع افراد المجتمع.
- الاقتصاد المريض يجر المجتمع الي الرذيلة والفساد، لذا فإن قادة المجتمع يكونون مسؤولين أمام الله.
والآن أيها الأفاضل ننصت واياكم خاشعين الي تلاوة للآية 86 من سورة هود:
بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴿٨٦﴾
بعد أن نهي شعيب قومه عن انقاص الكيل ووصاهم بالعدل في معاملتهم وأكد عليهم أن الربح المشروع الذي رضيه الله لهم خير لهم إن كانوا مؤمنين، فليكتفوا به ولا يقصدوا الكسب غير المشروع، وإن واجبه ابلاغهم اوامر الله وليس هو بحارس يراقبهم ويرقب اعمالهم، فإن حطموا حياتهم نتيجة الرزق الحرام فإنه ليس ضامن لهم. ومع أن (بقية الله) في هذه الآية تعني ربح الحلال الذي يرضاه الله، ولكن استنادا الي الروايات فان (بقية الله) تطلق علي كل وجود مبارك ابقاه الله بمشيئته للبشرية. كما يطلق علي المهدي الموعود الذي وعدنا رسول الله (ص) بظهوره وقيامه آخر الزمان وذلك لأن الله سبحانه وتعالي قد حفظ وجوده الشريف وأبقاه لإقامة القسط والعدل.
ومن هذه الآية نستنتج :
- الرزق القليل والحلال، أفضل من الربح الوفير غير المشروع والحرام.
- الدنيا فانية وتمضي بسرعة، فلنتجه إذن الي ما يبقي عند الله وينفعنا يوم القيامة.
- علي من يدعي الايمان ويبخس الناس أشياءهم عند البيع والشراء، عليه أن يعيد النظر في ايمانه.
والآن أعزائي المستمعين نأتي الي ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة علي امل اللقاء بكم في حلقة قادمة نستودعكم الله والسلام عليكم.