بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين، وافضل صلواته وازكى تسليماته على سيدنا محمد واله الغر الميامين، والسلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته مرة اخرى نصطحبكم الى رحاب القرآن الكريم، كتاب الله العزيز حيث ننور مقلنا بنور آيات الله البينات ونبدأ بالآية الثامنة والتسعين من سورة يونس حيث يقول شأنه:
فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ﴿٩٨﴾
كما مرعلينا من قبل فأن الباري تبارك وتعالى يمهل ولا يهمل، انه تعالى بفيض رحمته ويمهل الكفار والمشركين عسى ان يقلعوا عن الكفر والشرك ويتوبوا الى بارئهم. اذ في التوبة وداع للماض المؤسف وقدوم على المستقبل المشرق والمنيف. على ان هذه المهلة التي يتفضل بها الله على عباده العاصين تستمر حتى الموت او نزول العذاب وبعبارة اخرى لا جدوى من الأيمان ولا قيمة له حينما ينزل العذاب او اثناء سكرات الموت واللحظات الأخيرة من الحياة فعندهما لا فائدة من الندم ولات حين مندم.
ان مثل هذا الأيمان يأتي عن الخوف وليس له بطبيعة الحال اساس من الأختيار والرغبة، وهذه سنة الله في كل خلقه وفي كل الأمم السالفة والآتية.
لكن لو سبرنا اغوار التاريخ البشري لرأينا ان قوم النبي يونس (ع) قد استثناهم الله من هذه القاعدة وجاء في التاريخ ان مساعي يونس عليه السلام لأعوام طوال ادت الى ايمان شخصين من قومه فقط يونس (ع) دعا على قومه بعد ان يأس من هدايتهم وتركهم. ومن المتعارف ان دعاء الأنبياء (ع) هو دعاء مستجاب ولابد والحال هذه من نزول العذاب. احد الذين امنوا بيونس وكان رجلاً حكيماً لما رأى دعاء هذا النبي ذهب الى قومه وقال لهم ان عذاب الله ات واذا اردتم النجاة فاخرجوا من بلدتكم وحث هذا الرجل الحكيم القوم على عزل النساء والأطفال عن الآخرين كي يسمع انينهم وبكاءهم.
وحث الحكيم الناس على التوبة والأنابة عسى ان يفيض الله رحمته ويقبل توبتهم.
وفعل الناس ذلك وحجب الله عنهم العذاب والذي يمكن ان نتعلمه هنا:
- من بين الأقوام الماضية كان قوم يونس هم الذين تابوا في الوقت الذي اقترب فيه نزول العذاب فحالت التوبة دون الغضب الآلهي
- ان مصير الناس بايديهم وفي امكانهم بالدعاء دفع الغضب والبلاء وانزال امطار الرحمة الآلهية.
ويقول تعالى في الآية التاسعة والتسعين من سورة يونس المباركة:
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴿٩٩﴾
ان احد الأمور التي الزم الله ذاته المقدسة بها هداية الناس الى سبيل الرشاد. لكن الله تعالى لا يريد ان يؤمن الناس بالقوة والأجبار انه تعالى يريد الأيمان طواعية وعن طيب خاطر. نعم ان الله خلق الأنسان مختاراً لكن لكل انسان عاقبة عمله من خير او شر.
واخبر الله رسوله (ص) ان لا يحزن لكفر البعض من الناس
والذي يفيده هذا النص:
- الأيمان له قيمة اذا كان على اساس الأختيار لا الأكراه.
- ان النبي (ص) كان حريصاً على ايمان الناس وما كان يريدان يكفر احد
وها قد وصلنا الى الآية المئة من سورة يونس اذ يقول تعالى شأنه:
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴿١٠٠﴾
كما اوضحنا ان الناس ليسوا مجبرين على اختيار طريق الأيمان لكن مع هذا فأن سلوك سبيل الأيمان هو من توفيق الله وهدايته اي انه جل اسمه يوفر لنا اجواء الهداية والرشاد فيكون ذلك السبيل الى ايماننا وهذا النوع من الأيمان كما هو واضح ايمان اختياري لا اكراه فيه.
اذن لا ينبغي لنا ان نغتر بايماننا ونمن به على الله. اذ لو كفرما في الأرض جميعاً فأن الله غني حميد ان لله تعالى المنة علينا ان هدانا الى الصراط المستقيم.
ان من ينكر رسالات الأنبياء والكتب السماوية المقدسة يقع في مهاوي الكفر والشرك والضلال ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
والذي نستفيده من هذه الآية المباركة:
- ان اللطف الآلهي الخاص يشمل اهل العقل والبصيرة. ان من لا يصغ لنداء الحق ويتبع هواه يحل به عذاب الله وغضبه
- ان العقل السليم هو الذي يجعل الطريق الى الأيمان سالكة وعدم الأيمان معناه عدم التعقل. فالمؤمن عاقل والعاقل مؤمن
نسأل الله تعالى ان يجعلنا من المؤمنين الصالحين وينور قلوبنا بنور هدايته انه المسيع المجيب.