بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، وصل وسلم على حبيبك وخيرة خلقك النبيّ المصطفى محمدّ وعلى آله الطاهرين.
إخوة الإيمان في كلّ مكان السلام عليكم وأهلاً بكم في رحاب القرآن الكريم وحلقة جديدة من برنامج نهج الحياة لنتابع إياكم على بركة الله تفسير سورة الأنفال.
من اجل ذلك، نصغي واياكم مستمعينا الأفاضل أولاً لهذه التلاوة العطرة للآية السبعين من هذه السورة المباركة:
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يوتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفورٌ رحيم
في هذه الآية، قال الله مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أيها النبي قل لمن في أيديكم" من الأساري.
يعني اسراء بدر الذين أخذ منهم الفداء ان يعلم الله في قلوبكم خيراً" أي: إسلاماً وإخلاصاً أو رغبة في الإيمان وصحة نية "يؤتكمر خيراً" أي: يعطكم خيراً "مما أخذ منكم" من الفداء إما في الدنيا والآخرة وإما في الآخرة "ويغفر لكم ذنوبكم "والله غفور" للذنوب "رحيم" روي عن العباس بن عبد المطلب انه قال:
نزلت هذه الآية في وفي أصحابي كان معي عشرون أوقية ذهباً فأخذت مني فأعطاني الله مكانها عشرين عبداً كل منهم يضرب بمال كثير وأدناهم يضرب بعشرين ألف دوهم مكان العشرين أوقية وأعطاني زمزم وما أجب أن لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربي.
أفهمتنا الآية:
- في الجهاد الإسلامي، يجب أن يكون التعامل مع الأسرى بنحو يمهد لإرشادهم وهديهم.
- باب التوبة للمذنبين مفتوح، وحتى الذين شاركوا في محاربة رسول الله صلى الله عليه وآله، فتوبتهم النصوح قبلت.
والآن نستمع للآية الحادية والسبعين من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم
تعقيباً للآية السابقة بخصوص إطلاق سراح الأسرى والافراج عنهم، تقول هذه الآية:
"وإن يريد وإخيانتك" معناه: وإن يرد الذين أطلقتهم من الأسرى خيانتك بأن يعدوا حرباً لك أو ينصروا عدواً عليك "فقد خانوا الله من قبل" بأن خرجوا إلى بدر وقاتلوا مع المشركين.
وقيل، بأن أشركوا بالله وأضافوا إليه ما لا يليق به "فأمكن منهم" أي: فأمكنك منهم يوم بدر بأن غلبوا وأسروا وسيمكنك منهم ثانياً إن خانوك "والله عليكم حكيم" معناه: عليم بما يقولونه وبما في نفوسهم وبجميع الأشياء حكيم فيما يفعله.
أفهمتنا هذه الآية الكريمة:
- إن عمل المؤمنون بالواجب، يكفهم الله شر الاعداء وما يكيدون.
- لا يرجى من العدو إلا الصيانة والغدر، فعلى المؤمن العمل لهديه، بدل المقابلة بالمثل.
والآن نشنف مسامعنا بالآية الكريمة الثانية والسبعين من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
إن الذين امنوا هاجروا وجهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين اووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين امنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير
مع تصاعد مؤامرة المشركين في مكة. أوحي الى النبي صلى الله عليه وآله بالهجرة إلى يثرب، فهاجر ومن معه من المسلمين الى هذه المدينة التي عرفت بعد الآن باسم المدينة المنورة التي أحسنت باهلها وهم الانصار وفادة القادمين اليها وهم المهاجرون، ما جعل نبيّ الرحمة عليه وعلى آله الصلوة والسلام أن يؤاخي بين الجمعين وتحذير هما من الفرقة والخلاف. فنزلت الآية التي اوصيت الصداقة والمودة بين الأنصار والمهاجرين. ففيها قال الله سبحانه "إن الذين آمنوا بالله ورسوله" وبما يجب الإيمان به "اوهاجروا" من مكة الى المدينة "وجه هدوا" وقاتلوا العدو "بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله" أي: في طاعة الله وإعزاز دينه "والذين آووا" الرسول والمهاجرين بالمدينة وأسكنوهم منازلهم، أي: الأنصار "ونصروا" أي: ونصروهم بعد الايراء على أعدائهم وبذلوا المهج في نصرتهم "أولئك بعضهم أولياء بعض" أي: هؤلاء بعضهم أولى ببعض في النصرة وإن لم يكن بينهم قرابة من أقربائهم من الكفار، وقيل في التوراث...
وقيل في التناصر والتعاون والموالاة في الدين...
وقيل في نفوذ أمان بعضهم على بعض، فإن واحداً من المسلمين لو أمن إنساناً نفذ أمانه على سائر المسلمين...
"والذين آمنوا ولم يهاجروا" إلى المدينة "مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا" أي: ما لكم من ميراثهم من يشء حتى مهاجروا فحينئذ يحصل بينكم التوراث فان الميراث كان منقطعاً في ذلك الوقت بين المهاجرين وسواهم. وروي أنهم كانوا يتوارثون بالمؤاخاة الأولى.
وقيل معناه: ما لكم من موالاتهم ونصرتهم من يشء، أي: ليس عليكم نصرتهم "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر" معناه: وإن طلبوا يعني المؤمنين الذين لم يهاجروا منكم النصرة لهم على الكفار وإعانتهم في الدين فعليكم النصر والمعونة لهم وليس عليكم نصرتهم في غير الدين "إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق" معناه: إلا أن يطلبوا منكم النصرة لهم على قوم من المشركين ينكم وبينهم أمان وعهد يجب الوفاء به ولا تنصروهم عليهم لما فيه من نقض العهد "والله بما تعملون بصير" أي: بأعمالهم عليم لا يخفى عليه شيء منها.
ما تعلمناه من هذه الآية العطرة:
- وجوب الهجرة من محيط الكفر والشرك والآثام، صوناً الدين واداء للتكليف الديني.
- واجب المسلم الديني لا يحد بالحدود المرسومة بين الدول، فعلى المسلمين جميعاً أينما كانوا نصرة أخيهم المسلم المضطهد حيثما كان.
- وجوب الالتزام بالعهود والمواثيق- وإن كانت مع الكفار ماداموا هم ملتزمين بذلك.
مستمعينا الأفاضل إنتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة.حتى نلتقيكم في حلقة قادمة نستودعكم الله والسلام عليكم.