بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، وصل وسلم على حبيبك وخيرة خلقك النبيّ المصطفى محمدّ وعلى آله الطاهرين.
إخوة الإيمان في كلّ مكان السلام عليكم وأهلاً بكم في رحاب القرآن الكريم وحلقة جديدة من برنامج نهج الحياة لنتابع إياكم تفسير سورة الأنفال.
فبادي ذي بدء ننصت خاشعين لهذه التلاوة العطرة للآية الخامسة والستين:
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون.
فيما سبق من الآيات، دعا الله النبي والمؤمنين لقبول السلام المقترح من قبل الكفار، قائلاً: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو التسميع العليم.
وفي هذه الآية يخاطب سبحانه الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله: "يا أيها النبي حرض المؤمنين" أي: ابعثهم "على القتال" ورغبهم فيه بسائر أسباب التحريض والترغيب من ذكر الثواب الموعود على القتال وبيان ما وعد الله لهم من النصر والظفر واغتنام الأموال.
"وإن يكن منكم عشرون صابرون" على القتال "يغلبوا مأتين" من العدو "وان يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا" واللفظ لفظ الخبر. والمراد به الأمر، ويدل على ذلك قوله فيما بعد.
علمتنا الآية:
- ما يقرر مصير القتال في الجبهات، هو الإيمان والثبات، لا العدد والعدة فحسب.
- على زعيم المجتمع الإسلامي تشجيع الناس على الجهاد وتجهيزهم لمحاربة العدو.
والآن نستمع للآية السادسة والستين من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ألئن خفف الله عنكم مائتين وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصبرين.
تعقيباً للآية الخامسة والستين من السورة، يقول سبحانه في هذه الآية "الآن خفف الله عنكم" لأن التحفيف لا يكون إلا بعد التكليف "بأنهم قوم لا يفقهون" أي: أن النصر من الله تعالى لكم على الكفار والخذلان للكفار بأنكم تفقهون أمر الله تعالى وتصدقونه فيما وعدكم من الثواب فيدعوكم ذلك إلى الصبر على القتال والجدفيه والكفار لا يفقهون أمر الله ولا يصدقونه فيما وعدكم من الثواب ولما علم سبحانه أن ذلك يشق عليهم تغيرت المصلحة في ذلك، فقال "الآن خفف عنكم" الحكم في الجهاد من وجوب قتال العشرة على الواحد وثبات الواحد للعشرة "وعلم أن فيكم ضعفاً" أراد به ضعف البصيرة والعزيمة ولم يرد ضعف البدن. فإن الذين أسلموا في الإبتداء لم يكونوا كلهم أقوياء البدن بل كان فيهم القوي والضعف ولكن أقوياء البصيرة واليقين. ولما كثر المسلمون واختلط بهم من كان أشعف يقيناً وبصيرة نزل الآن خفف الله عنكم "فإن يكن منكم مائة صابرة" على القتال "يغلبوا مائين" من العدوّ "وإن يكن منكم ألف" صابرة "يغلبوا ألفين" منهم "بإذن الله" اي: بعلم الله وقيل بأمره. فأمر الله تعالى الواحد بأن يثبت لإثنين ويضمن النصرة له عليهما "والله مع الصابرين" أي: معونة الله مع الصابرين ومعناه: والله معين الصابرين.
أفادتنا الآية:
- في إدارة المجتمع وتصريف أموره- فأحياناً نظراً لتغيير الظروف وتمشياً مع امكانات الناس ومدى استعدادهم لمواكبة المتغيرات- يجب تغيير القوانين وتجاوب المسئولين مع أبناء الشعب ومع الرعية بوجه خاص.
- عامل الهزيمة الأساس- في الداخل لا في الخارج- فبقدر ما يضعف الإيمان والصبر- تنهيأ فرص غلبة العدو.
والآن نبقى لحظات مع هذه الآية العطرة وهي السابعة والستون من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ما كان لنبي أن يكون له – أسرى حتى يتخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم.
إستمراراً للمتقدم من الآيات، تقول الآية أعلاه عن كيفية محاربة العدو "ما كان لنبي" أي: ليس له ولا في عهد الله إليه "أن يكون له اسرى" من المشريكين ليفديهم أو يمن عليهم "حتى يثخن في الأرض" أي: حتى يبالغ في قتل المشركين وقهرهم ليرتدع بهم من ورائهم.
وقيل في الإثخان، الغلبة على البلدان والتذليل لأهلها، يعنيك حتى يتمكن في الأرض "تريدون عرض الدنيا" هذا خطاب لمن دون النبيّ صلى الله عليه وآله من المؤمنين الذين رغبوا في أخذ الفداء من الأسرى في أول وقته ورغبوا في الحرب للغنيمة. وهذه الحرب كما قيل هي يوم او وقعة بدر.. وتمضي الآية قائلة:
أخذ تم الفداء من الأسرى في اول وقعة كانت لكم من قبل أن تثخنوا في الأرض وعرض الدنيا مال الدنيا لأنه بمعرض الزوال "والله ويريد الآخرة" أي: تريدون عاجل الحظ من عرض الدنيا والله ويريد لكم ثواب الآخرة "والله وعزيز" لا يغلب أنصاره فاعملوا ما يريده منكم لينصركم "حكيم" يجزي أفعاله على ما توجيه الحكمة.
فصل سبحانه بين إرادة نفسه جلت قدرته وإرادة عباده.
أفادتنا الآية:
- يجب على المؤمنين- حتى في ظروف الحرب الصعبة- عدم التغافل فانهم ملزمون بتدبر أمورهم.
- هدف الجهاد الاسلامي- اداء الواجب الديني تحقيقاً للاجر الاخروي لا الحصول على الغنائم والاسرى طمعاً في المنافع الدنيوية.
والآن ننصت خاشعين لهذه التلاوة العطرة للآيتين الثامنة والستين والتاسعة والستين من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
لولا كتب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم.
فكلوا مما غنمتم حللاً طيباً واتقوا الله إن الله غفور رحيم
تشير الآيتان مرة أخرى إلى لزوم إهتمام المسلمين بهدف الجهاد الأساس ضد الكفار، فتقولان: "لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم" معناه:
لو لا ما مضى من حكم الله ان لا يعذب قوماً حتى يبين لهم ما يتقون أن لا تأخذوا الفداء لعذبكم بأخذ الفداء.
لولا أن الله حكم لكم بإباحة الغنائم والفداء في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ لمسكم فيما استحللتم قبل الإباحة عذاب عظيم فإن الغنائم لم تحل لأحد قبلكم.
لولا كتاب من الله سبق وهو القرآن فآمنتم به واستوجبتم بالإيمان به الغفر ان لمسكم العذاب. وقيل: المراد به الصغائر.
إن الكتاب الذي سبق قوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم. والمعنى: لولا ما كتب الله في القرآن وفي اللوح المحفوظ انه لا يعذبكم والنبيّ بين أظهركم لعذبكم.
"فكلوا ما غنتم حلالاً طيباً" هذه إباحة منه سبحانه للمؤمنين أن يأكلوا ما غنموه من أموال المشركين "واتقوا الله" باتقاء معاصيه " إن الله غفورٌ رحيم".
أفادتنا الآيتان:
- أسر أفراد العدوم في الحرب وسوح القتال- يعقبه خذلان في الدنيا وعذاب في الآخرة.
- ان أمر الدنيا لا يستوجب الجهاد، ففي هذه الحالة انه لا يفضي إلا الجحيم بدل الجنة.
- من مظاهر الرحمة الالهية للعباد- غفران الذنوب والاخطاء- فبالتوبة يستغفر للشخص ما له من ذنوب ومعاصي وآثام.
مستمعينا الافاضل انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحيوة شكراً لحسن المتابعة نستودعكم الله والسلام عليكم.